وللعاشق المسكين ما يتجرع
ولعل أمتع قصص العشق وأصدقها على إخلاص العاشق لمعشوقته، وعدم إحجامه في بذل الروح في سبيلها، قصة هذا العاشق التي جاء ذكرها على لسان العرب:
حكي عن الأصمعي أنه قال: «دخلت البصرة أريد بادية بني سعد، وكان على البصرة يومئذ واليا خالد بن عبد الله القسري، فدخلت عليه يوما، فوجدت قوما متعلقين بشاب ذي جمال وكمال وأدب ظاهر بوجه زاهر حسن الصورة طيب الرائحة جميل البزة عليه سكينة ووقار فقدموه إلى خالد، فسألهم عن قصته فقالوا هذا لص أصبناه البارحة في منازلنا، فنظر إليه خالد فأعجبه حسن هيئته ونظافته. فقال خلوا عنه، ثم أدناه منه وسأله عن قصته فقال: إن القول ما قالوه، والأمر على ما ذكروه. فقال له خالد: ما حملك على ذلك وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة؟ فقال حملني الشره في الدنيا، وبذا قضى الله سبحانه وتعالى. فقال خالد: ثكلتك أمك، أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك وحسن أدبك زاجر عن السرقة؟ قال: دع عنك هذا أيها الأمير، وأنفذ في ما أمرك الله تعالى به، فذلك بما كسبت يداي، وما الله بظلام للعبيد. فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى، ثم أدناه منه وقال له: إن اعترافك على رءوس الأشهاد قد رابني، وأنا ما أظنك سارقا، وإن لك قصة غير السرقة، فأخبرني بها. فقال: أيها الأمير، لا يقع في نفسك شيء سوى ما اعترفت به عندك، وليس لي قصة أشرحها لك إلا أني دخلت دار هؤلاء فسرقت منها مالا فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك. فأمر خالد بحبسه، وأمر مناديا ينادي في البصرة: ألا من أحب أن ينظر إلى عقوبة فلان اللص وقطع يده، فليحضر من الغد. فلما استقر الفتى في الحبس ووضع في رجليه الحديد، تنفس الصعداء وأنشد قائلا:
هددني خالد بقطع يدي
إذ لم أبح عنده بقصتها
فقلت هيهات أن أبوح بما
تضمن القلب من محبتها
قطع يدي بالذي اعترفت به
أهون للقلب من فضيحتها
فعند ذلك سمعه الموكلون بالسجن فأتوا خالدا وأخبروه بذلك. فلما جن الليل، أمر خالد بإحضاره عنده. فلما حضر استنطقه، فرآه أديبا عاقلا لبيبا ظريفا، فأعجب به فأمر له بطعام، فأكلا وتحادثا ساعة، ثم قال له خالد: قد علمت أن لك قصة غير السرقة، فإذا كان الغد وحضر الناس والقضاة وسألتك عن السرقة فأنكرها واذكر فيها شبها تدرأ عنك القطع، فقد قال رسول الله
Shafi da ba'a sani ba