وداعا أيتها الصديق البائسة الأمينة. لن أراكما ولن أرى طفلكما حتى أستيقن بأني أصبحت لرؤيتكم أهلا.
وداعا، وإن كان في الحياة ما يعزيني ويسليني، فهو أني هممت بالإثم ولم أتورط فيه، وكدت أخونك يا مدلين ولكني آثرت اتصال العذاب والحرمان والغربة على أن أنظر إليك فأستحي منك، وعلى أن يكون في قلبي شيء لا تستطيعين أن تظهري عليه.
بذلك ختمت المسكينة كتابها وقد استقرت كلماتها هذه في نفسي كأنما نقشت في قلبي نقشا.
أين أنت الآن يا لورنس! كم أحب أن ألقاك وأن أضمك إلي، وأن نمزج دموعنا التي تصور ما يملأ نفسينا من اليأس والحب والوفاء معا؟
15
أقبل الصبي فرحا كالمرتاع، يكلف ساقيه الضعيفتين من العدو فوق ما تطيقان، ويدير في فمه الصغير لسانا لا يكاد ينطق بهذه الألفاظ: «أماه أماه انظري هذه السيارة.» ولم أستطع أن أقاومه ولا أن أمتنع عليه، حين أخذت يده الصغيرة بيدي الكبيرة تجرني إلى حيث أرى ما كان يريد أن يظهرني عليه.
ولو استطعت لأعرضت عنه وعن سيارته التي كان يريد أن يظهرني عليها، ولمضيت فيما كنت فيه من القراءة؛ لأني كنت مشغوفة بما كنت أقرأ، ولأن ألفاظه وقعت من نفسي موقع النذير. فقد عرفت السيارة حين ذكرها وعرفت من فيها، فلما رأيتها ورأيت من كان فيها لم أزدد علما، ولم أعرف جديدا.
وما من شك في أن قلبي قد خفق لألفاظ الصبي، ولكن الشيء الذي هو موضع الشك والريب والتردد الشديد هو تفسير هذه الخفقات التي اضطرب بها قلبي، أكانت خفقات بالرضا والغبطة أم كانت خفقات بالغضب والضيق؟ فقد كانت السيارة سيارتنا، وكان الذي يقودها مكسيم، وكان فراقنا قد طال أمده شيئا، وإن لم تنقطع بيننا الرسائل، ولم يعرف مني حين ودعته ولا حين كنت أكتب إليه أني كنت مغاضبة له أو واجدة عليه.
ولكني في حقيقة الأمر كنت غاضبة بل أكثر من غاضبة، وكنت واجدة بل أكثر من واجدة. كنت محطمة القلب خائبة الأمل، ملتاعة النفس محزونة الضمير. وكنت أدافع نفسي أشد الدفاع عن مصارحة زوجي بهذا كله أو بعضه أريد أن أثأر للكرامة التي أهينت، والحرمة التي انتهكت والحب الذي أضيع، وأخشى إن فعلت أن يكون الفساد الذي لا سبيل إلى إصلاحه والصدع الذي لا سبيل إلى رأبه.
ثم طال هذا التردد، وطال حتى تغلب العقل أو تغلبت العاطفة أو اتفق العقل والعاطفة، فأغمضت عيني على القذى، وطويت قلبي على ألمه واحتفظت لنفسي، ولك أيها الدفتر العزيز بهذا السر الأليم. فلم يعلم زوجي أني قد ظهرت على إمره، وأني قد تأثرت منه بقليل أو كثير، وفي سبيل الحب ما تكلفت في ذلك من عناء، وفي سبيل الحب أيضا ما أرقت في ذلك من ليل طويل، وأعنف نفسي أشد التعنيف وأصفها بالجبن مرة ، وبالضعة والذلة مرة أخرى.
Shafi da ba'a sani ba