كيف يبني طالب العلم مكتبته
كيف يبني طالب العلم مكتبته
Nau'ikan
ـ[كيف يبني طالب العلم مكتبته]ـ
المؤلف: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ٥ دروس]
Shafi da ba'a sani ba
سلسلة: كيف يبني طالب العلم مكتبته
الحلقة: (١)
مقدمة عن بداية التدوين والتصنيف والمكتبات - كتب التفسير وعلوم القرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المقدم: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
مستمعينا الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم على الهواء مباشرة من هنا، من استودهاتنا من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، ثلاث دقائق بعد الرابعة عصرًا من هذا اليوم الأحد الثامن من شهر ربيع الآخر من عام (١٤٢٤) للهجرة النبوية المباركة، أهلًا ومرحبًا بكم في كل مكان، ونحن نتحدث في هذا البرنامج معكم على الهواء حول موضوع مهم وهو:
كيف يبني طالب العلم مكتبته؟
متى بدأ التدوين والتصنيف.
ما هي عناية المسلمين بالمكتبات الرسمية والشعبية والجماعية والفردية.
ونقدم أيضًا نماذج لما يقتنيه طالب العلم من كتب في شتى العلوم.
سوف نتعرض -بإذن الله- إلى مواضيع هامة، حول هذا الموضوع، وهو مكتبة طالب العلم.
مع في الأستوديو وعلى الهواء مباشرة، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
أشكر لفضيلته قبول دعوتنا، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله وبارك فيكم، وفي الأخوة المستمعين.
المقدم: أقول: يا شيخ نحن عندما أعلنا الحقيقة عن هذا الموضوع الناس في شوق إلى معرفة جوانب عديدة خصوصًا أنه يتعلق بطلب العلم الشرعي، العلم المهم الذي به يحمي الإنسان نفسه من كل زلل، أرى أنه من المهم أن نبدأ بمقدمة حول هذا الموضوع، نتحدث فيها عن بداية التدوين والتصنيف، متى بدأ هذا العمل؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
1 / 1
المقصود بالتصنيف والمصنفات والكتب والمكتبات سوى القرآن الكريم المحفوظ من التغيير والتبديل، الذي أنزله الله على نبيه محمد ﵊، وتكفل بحفظه، فلسنا بصدد الحديث عن القرآن، وكيفية نزوله، وكتابته في عهد النبي –﵊، وفي عهد أبي بكر، وفي عهد عثمان والحاجة الداعية إلى ذلك، إنما المقصود بالحديث ما سوى القرآن، ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي ﵊ أنه قال: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه» جاء النهي عن الكتابة في عهد النبي ﵊ في أول الأمر خشية أن يعتمد الناس عليها، وينسوا الحفظ الذي هو أولى ما ينبغي أن يهتم به طالب العلم، أو أهم المهمات فيما يعتني به طالب العلم، فإذا اعتمد على الكتابة نسي الحفظ، وضعف الحفظ، ومن أهل العلم من يرى أن النهي متجه إلى كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما دون القرآن، كتب القرآن في الصحف، وأمن ذلك، وزال خشية اللبس، أذن في الكتابة إذنًا عامًا.
1 / 2
ثبت أيضًا في الحديث الصحيح أن النبي ﵊ أمر بالكتابة «اكتبوا لأبي شاة» وقال أبو هريرة ﵁: "ما كان أحد أكثر مني حديثًا عن رسول الله ﷺ إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" ولعل هذا على حسب وهمه ﵁ وأرضاه-، وأنه كان يتوقع أن عبد الله بن عمرو أكثر منه؛ لأن المكتوب الذي يُرى ليس كالمحفوظ، المحفوظ موجود في الأذهان، لا وجود له في الأعيان، فلا يمكن بيان حجمه، ما دام موجودًا في الأذهان، أو كانت مقولة أبي هريرة قبل الهجرة النبوية، لما طلب منه أن يبسط رداءه فبسطه، ثم ضمه بعد أن دعا النبي ﷺ لم ينسَ شيئًا قط، فصار بذلك أحفظ الصحابة، وأجمع الصحابة، وأكثرهم رواية، ولا يقاربه ولا يدانيه أحد منهم، ولجمعه هذا الكم الهائل من السنة، وهو صحابي جليل، دعا النبي ﵊ أن يحببه إلى الناس، ويحبب الناس إليه، ولذا لا يبغضه إلا منافق، نسأل الله السلامة والعافية، ولا يطعن فيه، وفي حفظه، وفي علمه إلا من يطعن في الدين، في السنة على وجه الخصوص؛ لأنه لم نرَ أحدًا طعن في المقلين من صحابة النبي ﵊؛ لأن الطعن في المقل الذي لا يروي إلا حديث أو حديثين، هذا ليس له من الأثر ما لأثر الطعن في المكثر، فنسف مثل أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- نسف لقدر كبير من السنة، ومن ثم من الدين، أبيض بن حمال الذي لا يروي إلا حديثًا واحدًا ما وجدنا أحدًا يطعن فيه؛ لأن تتبع مثل هؤلاء متعب، بينما الطعن في واحد يحمل السنة، أو جل السنة هذا يريح الخصم، والله المستعان.
1 / 3
المقصود أن الكتابة أُذن فيها بعد المنع، وأجمع العلماء على جوازها، ولا شك أن للكتابة أثر في الحفظ، الإنسان الذي يعتمد على الحفظ دون الكتابة تستمر حافظته قوية، ويستذكر متى شاء، والناس يتفاوتون في هذا الباب، لما أذن بالكتابة صار الناس يكتبون كتابات فردية في المائة الأولى، ثم لما جاء عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الثانية أمر ابن شهاب الزهري بتدوين السنة، وهنا جاء التدوين الرسمي للسنة، فصنفت المصنفات في السنة، ثم أخذت تزيد قليلًا قليلًا إلى أن جُمع ما في الصدور، ما تفرق في البلدان، فصارت المؤلفات، هذا بالنسبة للسنة.
المقدم: يعني ما كتب عن الصحابة كانت كتابات فردية؟
كتابات فردية، كل يكتب لنفسه، ثم بعد ذلك أمر عمر بن عبد العزيز محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بالكتابة الرسمية، ثم تتابع الناس في التأليف والتصنيف، فألفت المصنفات والموطئات والمسانيد والجوامع والسنن وغيرها من فنون الحديث الشريف، هذا بالنسبة لعلم الحديث.
علم اللغة بعد أن فتحت البلدان، واختلط العرب بغيرهم، وخيف أن وجدت مظاهر اللحن، احتيج إلى التدوين في اللغة، العلوم الأخرى كلها سبب التدوين فيها الحاجة الماسة إليها، ثم بعد أن جُمعت الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين، ودون فقه الصحابة، وفقه التابعين، بعد ذلك احتاجوا إلى مسائل وحوادث نازلة، فاضطر الناس إلى أن يقيسوا على ما جاء في الكتاب والسنة، وما جاء عن الصحابة والتابعين، وتوسعوا في هذا الباب، فاحتيج إلى تدوين المسائل الفقهية في كتب الفقه على شتى المذاهب، المذاهب الأربعة المتبوعة وغيرها، ثم احتيج أيضًا إلى علوم تخدم الكتاب والسنة، تخدم أيضًا ما ثبت عن السلف في أبواب الدين، احتيج إلى ما يسمى بعلوم أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وعلوم القرآن وغيرها من العلوم التي تخدم الأصلين الكتاب والسنة، فدُونت المصنفات وتشعبت، وكثرت كثرة بحيث يستحيل الإحاطة بها، وبالتدريج ما من عالم إلا ولديه مكتبة، وما من عالم إلا وله مصنفات إلا ما ندر، إلا ما ضاع منها.
المقدم: هذا بالنسبة إلى ما يتعلق بالنسبة باللغة العربية وما بعدها أيضًا ..؟
1 / 4
نعم وما بعدها من العلوم، كل العلوم احتيج إليها ألفت الكتب الاصطلاحية التي تعين على فهم الكتاب والسنة، كما ذكرنا في علوم القرآن، ومصطلح الحديث، وأصول الفقه، ظهرت الفرق المخالفة للمنهج السليم الصافي المستمد من الكتاب والسنة، فظهرت الطوائف والبدع بعد أن ترجمت الكتب فاحتيج إلى التصنيف في العقائد، والرد على هؤلاء المخالفين.
المقدم: لكن نستطيع أن نقول: أن هذا التصنيف هو البداية الحقيقية لعناية المسلمين بالمكتبات على شتى ...؟
لا، هذه بداية التصنيف، أما لما كثرت هذه المصنفات، واحتاج الناس إليها، ممن يطلب هذا العلم بدأت العناية بالمكتبات الفردية والجماعية، الرسمية والشعبية.
المقدم: يعني نستطيع نبين هذه المكتبات أشهرها وأين هي؟
على كل حال كثرة الكتب التي أشرنا إليها لا يمكن الإحاطة بها، وجدت محاولات قديمة وحديثة لجمع أسماء الكتب والمصنفات، صنف ابن النديم كتابه (الفهرست) فجمع أسماء كتب ومدونات كثيرة جدًا، لا يتجاوز مبلغ علمنا بها حدود عناوينها، لا نعرف عنها إلا العناوين، ثم بعد ذلك ألف حاجي خليفة كتابه الشهير (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) فذكر فيه الألوف من أسماء الكتب التي وصلت إلى علمه، ثم ذُيل عليه بذيول، والكل لا يفي بالمقصود، وإن أسقط بعض الواجب، (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) كتاب نافع في هذا الباب، مع ذيوله، على أوهام فيه، ما يسلم من أوهام.
وفي تراجم أهل العلم ذكر منهم من عني بجمع الكتب، وهم كثير جدًا، هذا أخ للقاضي الفاضل الكاتب المشهور جمع من الكتب ما يملأ البيوت حتى كان عنده من صحاح الجوهري ستة عشر نسخة، الوزير القفطي المتوفي سنة (٦٤٦هـ) اشتهر بحبه الشديد للكتب، وكَلَفه بجمعها، ووصف بأنه جماعة للكتب، حريص عليها جدًا، كما وصفه بذلك عصرِّيه ياقوت الحموي، من كبريات خزائن الكتب القديمة التي طال صيتها خزانة الصاحب بن عباد، وخزانة القاضي الفاضل، فقد تجاوز عدد كتب كل منها مائة ألف مجلد، يعني تصور هذا الكم الهائل، يعني مطابع تضخ؟ لا، كلها كتب قلمية، مخطوطات.
المقدم: وهذا شخص واحد الذي يملك مائة ألف كتاب؟!
1 / 5
نعم شخص واحد، والآن يوجد من المعاصرين من يملك ما يقرب من هذا العدد؛ لكنها مطبوعات، يقتني كتاب عشرة مجلدات عشرين مجلد في لحظة، أما مثل هذه الكتب متى تكتب؟ متى تصحح؟ متى تقابل؟ متى تجمع؟
المقدم: لكن يعرف مثلًا أن هذه النسخة في مكتبة فلان، وكتبها فلان معروفة؟ معروف تاريخها؟
نعم معروفة.
المقدم: وإذا أراد شخصًا أن يأخذ منها نسخة يأتي وينقلها نقلًا؟
إما أن يستعير، ويأخذ منها ما يحتاج، ويفيد منها، والمتقدمين -أهل العناية بالكتب- يشددون في مسألة الإعارة.
ألا يا مستعير للكتب دعني ... فإن إعارتي للكتب عارُ
وضاع كثير من الكتب، وتشتت شمل كثير من الموسوعات بهذه الطريقة، نظير ما ذكرت من مكتبة أو خزانة الصاحب بن عباد، والقاضي الفاضل، ما يوجد عند أبي مطرف القاضي بقرطبة، جمع من الكتب في أنواع العلم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره في الأندلس، وكان عنده ستة وراقين، ينسخون له باستمرار، بمثابة المطابع عنده، ستة أشخاص ينسخون.
المقدم: لكن يوزعون يا شيخ؟
لا لمكتبته.
المقدم: يحتفظون بها؟
نعم يحتفظون بها.
المقدم: إذًا يمكن يكون في مكتبته أكثر من نسخة من كتاب واحد؟
إيه؛ لكنه في آن واحد يجد كتاب عند فلان، أو في المكتبة كذا وكذا، يُحضِرُه للوراقين، إما بإعارة، أو بإجارة، فينسخون له نسخة من هذا الكتاب، إما أن يقتسمون الأجزاء، أو كل واحد ينسخ من كتاب معين.
أقول: لا يخلو عالم أو طالب علم من مكتبة؛ لأنه لا يمكن أن يستغنى عن الكتب؛ حتى زاد هذا الاهتمام ووصل إلى حد التكاثر والتفاخر، في نفح الطيب للمقري في وصف قرطبة قال: "وهي أكثر بلاد الأندلس كتبًا، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب" صار ذلك عندهم من آلات التعين والرئاسة، حتى أن الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة يحتفل ويهتم في أن تكون في بيته خزانة كتب، قد يكون لا يقرأ ولا يكتب، وينتخب فيها، ليس إلا لأن يقال: فلان عنده خزانة كتب، الكتاب الفلاني لا يوجد إلا عند فلان، لا يوجد عند غيره، والكتاب التي بخط فلان قد حصل عليه فلان، وظفر به فلان، يعني صارت المسألة تفاخر وتكاثر.
1 / 6
المقدم: حتى هذا وجد في هذا العصر يعني أحيانًا بعض العلية علية القوم من الكبار مثلًا في بعض الدول الإسلامية تجده مثلًا يهتم بوجود مكتبة نادرة من أجل هذا.
لا شك، أقول: أعظم من ذلك وجد تحف على هيئة كتب، تصف في خزائن بحيث يظنها الناظر أنها كتب، فأين النيات؟! والله المستعان.
في نفح الطيب نقل قال الحضرمي: "أقمت بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدة، أترقب فيه وقوع كتاب لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح، وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، فجعلت أزيد في ثمنه، فيرجع إلي المنادي بالزيادة عليّ إلى أن بلغ فوق حده، فقلت له: يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب، حتى بَلّغَه ما لا يساوي؟ قال: فأراني شخصًا عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه، وقلت له: أعز الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حده، قال: فقال لي: لست بفقيه، ولا أدري ما فيه، ولكني أقمت خزانة كتب، واحتفلت فيها لأتجمل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيت حسن الخط، وجودة التجليد استحسنته، ولم أبالي بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم به من الرزق فهو كثير"، قال الحضرمي: "فأحرجني، وحملني إلى أن قلت له: نعم لا يكون الرزق كثيرًا إلى عند مثلك، يُعطى الجوز من لا له أسنان، وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب، وأطلب الانتفاع به يكون الرزق عندي قليلًا، وتحول قلة ما بيدي بيني وبينه".
على كل حال الاعتراض على القدر مذموم، يعني كون الإنسان يزيد الله في رزقه، وكون الإنسان يضيق عليه هذا قدر الله، كل إنسان مكتوب له رزقه، وأجله، إلى آخره، وليس للإنسان أن يعترض، وليس بسط الرزق خير على كل حال، وليس ضيق ذات اليد شر محض على كل حال، والله المستعان.
على كل حال إذا وصل حد الجمع والعناية بها إلى هذا الحد صارت مما يلهي، ويشغل عن التحصيل العلمي، والعمل الصالح، فيدخل دخولًا أوليًا في قوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [(١) سورة التكاثر] مجرد تكاثر، أنا عندي نسخة كذا، أنا عندي تجليد كذا، أنا عندي طبعة كذا، أنا عندي أربع نسخ، خمس نسخ من كتاب كذا، هذا وجد في المتقدمين والمتأخرين.
1 / 7
المقدم: وهذا ما كنت سأسأل عنه يا شيخ في الحقيقة في أثناء الحديث، أن بعضهم يتفاخر أنه يوجد عنده نسخة أو أوائل النسخ من هذا الكتاب، كتاب لم يطبع منه إلا طبعات معدودة هذه عنده، ربما يدفع عليه مبالغ طائلة من أجل الحصول عليه، هل لهذا مردود؟
أنا بلغني أن بعض الكتب التي يطبع منها أربع نسخ، خمس نسخ، تودع في البنوك، خشية أن يُصطى عليها، يعني هل هذا مما يوصل إلى مرضات الله ﷿، نقول: العلم المطلوب الشرعي ميسر -ولله الحمد- بدءًا من القرآن ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [(١٧) سورة القمر] يعني تجد أرخص الكتب في المكتبات القرآن، يعني قيمته الشرائية، لا أعني قيمته المعروفة؛ لأنه لا يوجد هناك كتاب متعبد بتلاوته سوى القرآن؛ لكن قيمته الشرائية تجد أحوج الناس أو أشد الناس حاجة إلى كتاب تجده أرخص ما يباع، وهذا من السنن الإلهية، يعني أحوج ما يكون الناس إلى شيء يكون أرخص شيء، يعني ما يحتاجه الناس في مطاعمهم، في الأكل والشرب ..
المقدم: الماء مثلًا أرخص ..
أرخص، نعم، ما يحتاجه الجسم من الغذاء الأصلي الذي يقوم به البدن هو أرخص ما يوجد في الأسواق، ثم بعد ذلك الترف، الكماليات أغلى، ثم ما يزيد فوق السرف أغلى وأغلى، قس على هذا الكتب، بالنسبة للقيمة الشرائية أرخص ما يوجد مثلًا القرآن والبخاري ومسلم والأذكار ورياض الصالحين، الكتب التي يحتاجها عامة المسلمين هذه رخيصة -ولله الحمد-، لكن تأتي إلى كتب الناس ليسوا بحاجة إليها ..
المقدم: يا شيخ نسمع أنها تصل خمسين ألف إلى ستين ألف؟
تصل تصل، القانون لابن سيناء بيع بتسعين ألف، بستين ألف ..
المقدم: السبب أنه ما يوجد إلا نسخة واحدة؟
1 / 8
هو طبعة أوروبية نادرة؛ لكن إلى أين؟ القانون لابن سيناء تدري أن النووي ﵀ أدخله مكتبته فأظلم قلبه، وصعب عليه الحفظ، حتى أخرجه من مكتبته، أغلى ما يوجد الآن كتب الذكريات، كتب الرحلات، يعني المسلم بحاجة إلى مثل هذه؟! نعم من حيث العبرة والمتعة والاستجمام يحتاج إلى مثل هذه الأمور؛ لكن ليس إلى هذا الحد، ما تصل إلى هذا الحد، هذه مبالغة، يدخل في حيز السرف؛ لكن لو إنسان احتاج إلى صحيح البخاري، ولم يجد نسخة إلا بثمن مرتفع، نقول: لا سرف في الخير.
على كل حال إذا وصل الجمع والنهم بالكتب إلى هذا الحد صار عائقًا عن التحصيل، ولا يعرف هذا إلا من جرب، تحتاج الكتاب وعندك منه عشر نسخ، يغطي بعضها عن بعض، ويصد بعضها عن بعض، قد لا تحصل على نسخة، يقول ابن خلدون: "كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل" على الإنسان أن يكون متوسطًا في أموره كلها، ما يحتاجه من الكتب يقتنيه، ما ينفعه عند المراجعة يقتنيه، أما أن يجمع كل كتاب يسمع عنه، يحتاجه أو لا يحتاجه، ليقال: أن عنده من كل كتاب نسخة، مصيبة هذه؛ لأن الفائدة من جمع الكتب تحصيل العلم الشرعي، والعلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها، فإذا دخلت النوايا مثل هذه المقاصد، يقال: عند فلان مكتبة أو عنده أكبر مكتبة خاصة، أو عنده أندر مكتبة، هذه حقيقة مُرة، وإن وجدت بين طلاب العلم، هذه حقيقة مرة، وقدح ظاهر في الإخلاص، وإن وجدت عند بعض المتعلمين، نسأل الله السلامة والعافية.
المقدم: وجد يا شيخ مكتبات رسمية أيضًا في ....
وجد مكتبات رسمية رعتها الدول الإسلامية، يعني في بغداد.
المقدم: دار الحكمة؟
دور، دور، يعني في قرطبة وحدها أكثر من سبعين مكتبة رسمية، في بغداد، في بلاد الحرمين، في مصر، وفي غيرها من بلدان المسلمين، في المغرب، في المشرق في الهند.
المقدم: تكون مفتوحة لطلبة العلم؟
1 / 9
تكون مفتوحة طوال اليوم، يستفيد منها الناس، على كل حال موجودة -والحمد لله- العناية بالكتب إلى وقتنا هذا، العناية الرسمية والشعبية، الآن بعض المساجد فيها كتب مثل المكتبات متكاملة، يستفيد منها طلاب العلم، الجامعات الآن ترعى مكتبات نادرة تضم شتى العلوم والمعارف، أيضًا غير الجامعات المكتبات العامة عندنا، عندنا في هذه البلاد المباركة الشيء الكثير في بلاد الحرمين، وفي نجد، وفي الأحساء، وفي الشمال مكتبات عامة، أيضًا مكتبات شعبية أسسها الأفراد، مكتبات متكاملة، فضلًا عن المكتبات الخاصة في دور العلماء وطلاب العلم.
المقدم: يعني أنتم لما أشرتم إلى المكتبات المتعلقة بالمساجد يا شيخ، وهي خطوة مهمة بدأت تظهر بحمد الله، يعني لا بد أن نشير إلى شيء من هذا، يعني مكتبة جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في الرياض، باعتبارها مكتبة كبيرة، ولها صيت قوي، وتدعم من قبل وزارة الشؤون الإسلامية دعمًا قويًا، بدأ عدد كبير في الحقيقة من المساجد والجوامع يحذون حذو هذه المكتبة التي أفادت طلبة العلم كثيرًا؟
نعم لا شك أن الرياض صار الآن مترامي الأطراف، ويصعب على طالب العلم الذي في غرب الرياض، أو في شرقه، أن يرتاد المكتبات التي في وسط الرياض، أو في شماله، فوجدت هذه الفكرة، وسبق إليها إخواننا في جامع شيخ الإسلام في مكتبة ابن القيم.
المقدم: وأنت زرت هذه المكتبة؟
1 / 10
إيه أكثر من مرة، وأطلعونا على شيء يسر، من كثرة الرواد، والمنتفعين بهذه المكتبة، وهي تضم كتب كثيرة جدًا، وأنا لدي فكرة في إنشاء مكتبة في شرق الرياض تضاهيها -إن شاء الله- وبعد العصور المتقدمة والاعتماد على المخطوطات والكتب القلمية ظهرت الطباعة، ولنستصحب منع الكتابة في أول الأمر لأثر الكتابة على الحفظ، ظهرت الطباعة في أوروبا، والأستانة، ثم في سوريا وبيروت، ثم في مصر وغيرها من بلدان المسلمين، وخشي العلماء في هذه الحقبة على التحصيل العلمي من التأثر لسهولة الحصول على الكتب لما كانت الخشية في أول الأمر من الكتابة من أن تؤثر على الحفظ، الآن خشي من الطباعة أن تؤثر على التحصيل كيف؟ التجربة أثبتت أنه كلما سهل الحصول على الكتابة أو على المعلومة ضعفت الإفادة، هذا شيء مجرب، خشي العلماء على التحصيل من جراء الطباعة، فأفتى علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية.
المقدم: عجيب قديم هذا؟
إيه أول ما بدأت الطباعة، وأذنوا بطباعة كتب التواريخ والأدب واللغة وغيرها، الكتب الشرعية لا تجوز طباعتها، كان العالم أو طالب العلم في السابق إذا احتاج إلى كتاب اضطر إلى نسخه ومعاناة الكتابة -هذا شيء جربناه وجربه غيرنا- أفضل من القراءة مرارًا، أنت إذا احتجت إلى كتاب لا بد أن تكتب الكتاب، تستعيره وتنسخه، أو تستعيره وتقرأه، وتدون ما يهمك منه، هل هذا مثل أن تذهب إلى مكتبة وتشتري كتاب وترصه مع إخوانه في الأدراج؟ لا، أنا أقول: كتابة كتاب عن قراءته عشر مرات، لا أبالغ إذا قلت: هذا.
المقدم: ولكن هذا ممكن في الكتب اليسيرة والصغيرة التي ...؟
كل شيء بحسبه، كل شيء بقدره.
المقدم: يعني يمكن فتح الباري يكتب يا شيخ؟
بعد الطباعة ما يمكن، لكن قبل الطباعة ممكن.
المقدم: كُتب؟
كتب مرارًا، كيف وجد؟
المقدم: ونسخ مرارًا.
1 / 11
شخص ما أدركناه وأدركنا أحد أولاده، يقول: إن أباه يكتب كل يوم نسخة من النونية، وهي خمسة آلاف وثمانمائة وعشرين بيت، وكل نسخة يبيعها بريال، وهو يقتات من هذا النسخ، نعم إذا لم يكن لديه الأهلية للتحصيل، ومجرد وراق هذا لا يستفيد؛ لكن إذا كان من أهل العلم ولديه أرضية، ولديه أهلية للتحصيل، واحتاج إلى هذا الكتاب لما فيه من علم ونسخه لا شك أن مثل هذا يقع موقعه في القلب، بعد أن اضطر الناس، الإقرار بالواقع، الأمر الواقع، الذي فرض نفسه من الطباعة أفتى الناس بجواز طباعة الكتب الشرعية، وطبعت وتدولت؛ لكن أثرها على التحصيل ظاهر، يعني بلا شك أن الطباعة نعمة، الحواسب الآلية التي يأتي الحديث عنها أيضًا نعمة؛ لكن لا تكون على حساب التحصيل، يعني لا يعتمد الإنسان اعتماد كلي، ويقول: أنا اقتنيت فتح الباري وبعدين؟ اقتنيت تفسير بن كثير، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، وبعدين؟
المقدم: بعض طلبة العلم عنده تفسير ابن كثير ولم يقرأه أبدًا، وهو من كبار طلبة العلم؟
نعم موجود، طبعت الكتب الشرعية، وأجمع الناس على جوازها، والإفادة منها، وأثره على التحصيل ظاهر، قد يقول بعض الناس ممن لا يدرك حقيقة الأمر -أنا حقيقة عانيت من قراءة الكتب، ومن نسخ الكتب، وتدوين الفوائد وغيرها- لكن قد يقول قائل: إيش في الطباعة؟ الآن نِعم، تيسرت لنا هذه النعم، نقول: تيسرت والحمد لله، ونقر بأنها نعمة، الحواسيب نعمة؛ لكن نستفيد منها بقدر ما يعيننا على تحصيل العلم منها، ولا نعتمد عليها اعتماد كلي.
بعد الطباعة تجاوزنا مرحلة الطباعة، وفرضت نفسها، واقتنى الناس الكتب، ورصوها في الخزائن، وبعض الناس اقتنى ألوف مؤلفة من الكتب، مات لم يطلع على شيء منها، إلا العناوين، يأتي يرتبها وينظفها هذا قبل هذا، وهذا بعد هذا، هذه العناية مفيدة لشيء واحد، وهي أن السوس والأرضة يعني تؤمن -بإذن الله- من تقليبها من يمين إلى شمال، من درج إلى درج، لكن التحصيل العلمي أين؟ ما فيه، قد يقول قائل: إن معرفة الكتب ومعرفة الطبعات فن؟ نعم فن؛ لكنه ليس بفن غاية، فن وسيلة لغيره.
1 / 12
جاءت الحواسب الآلية التي جمعت من العلوم والمعارف على أقراص صغيرة ما لم يحلم به عالم أو متعلم، أشياء مذهلة، يعني لا نبالغ إذا قلنا: أن بعض العلماء من المتقدمين قبل الطباعة مثل الحواسب في حفظه، يعني من يحفظ سبعمائة ألف حديث، أكبر برنامج للسنة فيه خمسمائة وثلاثة وعشرين ألف حديث.
المقدم: يعني رأس هذا الشيخ أحسن من هذه البرامج؟
أحسن من هذا، وليس آلة جامدة صماء، إذا صحب الخبر ما خرج، يفيد، يجمع طرق، يقدم ويؤخر، ويرتب ويستنبط، ويعلم ويعمل، صار طالب العلم إذا احتاج إلى أي معلومة في فن من الفنون بعد هذه الحواسب ما عليه إلا أن يضغط زر، يصل بواسطته إلى ما يريد بأسرع وقت، وهذا أيضًا على حساب التحصيل العلمي؛ لأن العلم متين لا يستطاع براحة الجسم، كما قال يحي بن أبي كثير، يحي بن أبي كثير كما ذكر الإمام مسلم في صحيحه في أثناء أحاديث المواقيت، قال يحي بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لو كان العلم استطاع براحة الجسم ما أدرك الفقراء شيء، صار الناس كلهم علماء، العلم لا يخفى ما ورد فيه من النصوص في الحث عليه، وبيان منزلة أهل العلم، ورفعهم درجات، صار كل الناس علماء لو كان العلم يستطاع براحة الجسم؛ لكن لا بد من معاناة، لا بد من سهر، لا بد من عكوف على الكتب، لا بد من مزاحمة الشيوخ والزملاء، لا بد من مباحثة العلم ومدارسته.
المقدم: يعني يلاحظ مثلًا لو جاء طالب علم يخرج حديث عن طريق الحاسب الآلي يحصل على المعلومة بسرعة، لو رجع إلى الكتب تجد أنه يستفيد -كما يقال– في طريقه، في طريق المرور على هذا الحديث مئات الفوائد من أجل أن يصل إليه؟
1 / 13
الآن يحتاج الطالب إلى بحث مسألة في كتاب، فيقلب هذا الكتاب فيقف على عشرات المسائل كثير منها أهم من مسألته التي يبحث عنها؛ لكن يضغط زر يطلب مسألة، تخرج المسألة من أولها إلى آخرها بمصادرها، ثم ماذا؟ هل يحفظها طالب العلم بهذه الطريقة؟ لا يمكن؛ لأن الشيء الذي يأتي بسهولة لا يمكن أن يستوعب بسهولة أو يحفظ بسهولة، بل يفقد بسهولة؛ فيحي بن أبي كثير لما قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لا شك أنه من خلال معاصرة ومعايشة للعلم، ولما رأى عليه شيوخه وزملائه وأقرانه من معاناة، تصور قبل وجود هذه النعم من الكهرباء وغيرها، التي لا يختلف الليل على النهار بالنسبة للضوء -والله المستعان-، كانوا يكتبون على ضوء القمر، بهذا حصلوا العلم، ونحن نريد بحاسب واحد، وشخص متلفلف بغطائه على فراشه يربط حاسبه ويتعلم، أو جالس في ملحق، أو في استراحة مع زملاء، يتبادلون الأحاديث وأطراف الأحاديث وعندهم أنهم يطلبون العلم؛ فالعلم لا بد له من معاناة.
1 / 14
يحي بن أبي كثير نعود إلى كلمته؛ لأنها نفيسة، وجعلها الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت مواقيت الصلاة- علشان إيش؟ هذا مناسبته أعجز الشراح أن يوجدوا مناسبة لكلام يحي بن أبي كثير الذي أودعه مسلم هنا، الإمام مسلم أعجبه سياق هذه الأحاديث، المتون والأسانيد بهذه الطريقة، وأراد أن ينبه أنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى مثل هذه العلوم، بهذه الطريقة، بهذا السبك العجيب براحة الجسم، فأتى بهذا من شعور أو من لا شعور، نعم هذه الوسائل نعمة إن استفيد منها واستعين بها على الوجه المناسب، ولم يعتمد عليها وإلا فهي عائق عن التحصيل، من وجوه الانتفاع بهذه الحواسب إذا ضاق الوقت على خطيب أو محاضر، وأراد أن يتثبت من حديث أو أثر أو نقل أو غير ذلك، بحيث لا يستطيع الرجوع إليه لضيق الوقت، نعم له ذلك، استفاد منه، كذلك من أراد اختبار عمله، بحث هذه المسألة من جميع ما وقف عليه من كتب، وجميع ما قيل فيها، وإن كان حديث جميع ما وقف عليه -ما أمكنه- من الطرق، ثم أراد أن يختبر نفسه هل هناك زيادة، فهذه الزيادة التي يأخذها من هذا الحاسب تقع في قلبه موقع، بحيث تثبت، مثل ما لو بحثها في كتاب، أما أن تكون هذه الآلات وسائل للتحصيل ابتداء، عوضًا عن القراءة والمطالعة والحفظ، وحضور الدروس، ومجالس العلم فلا.
المقدم: شيخ استأذنك في الحقيقة معنا اتصال هاتفي من الشيخ يوسف الخلاوي.
شيخ يوسف: السلام عليكم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: نحن نتحدث مع فضيلة الدكتور عبد الكريم الخضير حول مكتبة طالب العلم، بصفتكم أيضًا تشرفون على موقع مهم على شبكة الإنترنت، هو موقع ثمرات المطابع، هذا الموقع الذي يهتم بالكتب، ويدل عددًا من طلبة العلم على هذه الكتب، كان أيضًا توقيت الاتصال والشيخ يتحدث عن الاستفادة من هذه التقنية الحديثة في مجال طلب العلم، لعلكم تحدثوننا عن هذا الجانب بالنسبة لما يتعلق بالاستفادة -من طلبة العلم- من الإنترنت؟
1 / 15
المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أولًا: أقدم شكري الجزيل على هذا البرنامج، ثم على مثل هذه الموضوعات المهمة والقيمة، حقيقة الاستفادة من التقنية الحديثة لبناء طالب العلم لا بد أن ننتبه أنها تختلف كثيرًا عن الاستفادة من هذه التقنية لمجرد الثقافة أو مطالعة الأخبار أو نحو ذلك من مجالات الفوائد العلمية الأخرى، طالب العلم عنده معايير تختلف بالتثبت في معرفة هذه الكتب مثلًا الموجودة ونحو ذلك، لذلك للأسف الشديد مع ما يمكن أن نجنيه من فوائد عن طريق التقنية إلا أنها أضافت إلى هذه الفوائد جملة من المظاهر السيئة التي ينبغي أن ننتبه لها؛ لكنني سأركز الآن على شيء من الفوائد، من هذه الفوائد:
معرفة الكتب الجديدة واقتنائها إذا كانت نسخًا سليمة مصححة، وهذا موجود الآن بفضل الله، ويزداد يومًا بعد يوم بكثرة، خاصة إذا كانت طالب العلم فقيرًا، لا يستطيع أن يقتني كثيرًا من الكتب الكبار مع أهميتها، فيمكن أن يجدها متاحة؛ لكن كما قلت: بشرط هذه الإتاحة في مكان معروف، في موقع معروف، يشترط الشروط العلمية المعتبرة للتوثيق، هذه من أهم الفوائد.
من الفوائد الأخرى: المشاركة والتنادي إلى العمل الجماعي في كثير من الأعمال العلمية، مثل البحث عن الخطيات، أو اقتناء النسخ الصحيحة القديمة ..
المقدم: هذه تقومون بها يا شيخ في موقعكم؟ تهتمون بهذا الجانب؟
الموقع حتى الآن مختص بالإعلام بالكتب الجديدة، وتقديم قراءات علمية فيها؛ لكن هناك حاجة ماسة للتخصص في مجال الأشياء القديمة، في الكتب القديمة، ونحو ذلك.
المقدم: لكن نستطيع يا شيخ يوسف نقول من خلال موقعكم: أننا لا نقصد مستوى الدخول على الكتب الشرعية أنه مستوى عالي أم لا نستطيع؟ هل هناك مؤشر عندكم، كتب الحديث أكثر، كتب الفقه ...؟
1 / 16
نعم هناك مؤشرات، وفي الغالب الكتب الشرعية لها حضور قوي جدًا، بالإضافة للكتب التي تهتم بالوقائع المعاصرة، يعني لو أردنا أن نقارن فنجدها في أول السلم من حيث العناية والمتابعة من قبل الناس، وهذا له جمهور، وذاك له جمهور آخر؛ لكن لا زال حضور الكتب الشرعية كبيرًا، وأنبه هنا إلى قضية وهو أنه في عامة المعارض التي أحضرها للكتب، لا شك أن حضور الكتب الشرعية هو الأول، بالرغم مما قد يذاع في بعض المصادر من أن كتاب كذا كان من أهم الكتب المقتناة أو كذا، لكن دون مبالغة أقول: يعني في أي معرض يحضره الإنسان سيجد أن مثل تفسير ابن كثير بالرغم من كثرة طبعاته هو رقم واحد، وصحيح البخاري هو أيضًا رقم واحد، وهذا يدل على تعلق الناس وحاجتهم إلى مثل هذه الكتب.
المقدم: جزاك الله خيرًا شيخ يوسف، أشكر لك مداخلتك الطيبة، وأتمنى لك التوفيق .. شكرًا لكم.
المقدم: نعود مرة أخرى معنا في الأستوديو فضيلة الشيخ/ عبد الكريم، وقد استمعتم إلى حديث الشيخ يوسف لكم تعليق أو نستمر يا شيخ؟
أخونا الشيخ يوسف معروف بالعناية بالكتب أولًا، ثم بهذه الآلات، ويفيد منها على الوجه المطلوب، ولا شك أن هذه الآلات مثل ما قلت مرارًا أنها نعم، يستفيد منها على الوجه المطلوب، يستفيد منها طالب العلم بعد أن يتأسس، وبعد أن يتأصل، ويكون نفسه تكوينًا علميًا على الجادة المعروفة عند أهل العلم بالطرق المتبعة، فيستفيد من هذه لا شك، وقلنا: أنه ممكن أن يختبر عمله، وما نقصه من علم في بعض الجوانب، لا بأس، أو إذا ضاق عليه الوقت، وأراد أن يتثبت من مسألة فلا بأس.
المقدم: نأتي إلى الموضوع الأهم في حديثنا، وهو ما ينتظره عدد كبير من الأخوة، وأن نذكر نماذج لما يقتنيه طالب العلم من كتب، إذا أذنتم لنا أن نبدأ بالتفسير وعلوم القرآن يا شيخ، هل يمكن لنا أن نقول لطالب العلم مجموعة من النماذج لما يقتنيه طالب العلم من هذه الكتب؟
1 / 17
في المقدمة التي قدمناها ذكرنا أن الكتب كثيرة جدًا، لا تمكن الإحاطة بها، وأن الإكثار منها على حساب التحصيل، وأنه عائق عن التحصيل؛ لكن على طالب العلم أن ينتقي ما يفيده، ويعنى بهذه الكتب بطبعاتها المتميزة المعروفة لدى أهل العناية، ويسأل قبل أن يقتني عن الطبعة المناسبة، فكم من كتاب طبع مرارًا، وهو مشتمل على التحريف والتصحيف والنقص والزيادة أحيانًا من بعض النساخ، أو إدخال بعض الحواشي من كتاب مما تزفه هذه المطابع التي لا تعتني بالإخراج العلمي الصحيح، على طالب العلم في البداية أن يعتني بهذا الأمر، لئلا يضطر إلى أن يشتري الكتاب مرة ثانية وثالثة ورابعة؛ لأنه وجد في هذا من الخلل كذا، ووجد في هذا كذا.
المقدم: استأذنكم يا شيخ يبدو أن معنا اتصال فاعذرنا على المقاطعة، معي فضيلة الدكتور عبد المحسن العسكر، السلام عليكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المقدم: حياكم الله يا دكتور، معنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير، نحن نتحدث عن مكتبة طالب العلم، لعلكم تابعتم شيء مما تفضل به فضيلة الدكتور إذا كان لكم تعليق؟
المتصل: إيه نعم.
المقدم: تفضل يا شيخ.
1 / 18
المتصل: أولًا: أشكر بادئ الرأي إذاعة القرآن لبرامجها الثمينة، وطرحها المميز الطيب، وهذا الموضوع الذي يحاور فيه الأستاذ القدير المذيع الناجح فهد السنيدي، يحاور فيه فضيلة شيخنا المتفنن الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عن الكتاب شؤونه وشجونه، وأقول: قد طرق فضيلة الشيخ جوانب عدة من الموضوع، وغني عن البيان أن نفصح عن قيمة الكتاب، الكتاب في الحقيقة هي لذة العالم، وأنيس الجليس، وسلوة الغريب، أقول: إن العلماء لا يملكون ثروة؛ ولكن ثروة العالم مكتبته وريحانته كتابه، وقد قرأت في كتاب (تقييد العلم) للخطيب البغدادي ﵀ قوله: "ومع ما في الكتب من المنافع العميمة، والمفاخر العظيمة، فهي أكرم مال، وأنفس جمال، والكتاب آمن جليس، وأشر أنيس، وأسلم نديم، وأنصح كريم" ثم روى الخطيب ﵀ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا﴾ [(٨٢) سورة الكهف] قال: "اختلف أهل التأويل في ذلك الكنز، فقال بعضهم: كان صفحًا فيها علم مدفون، قال: ما كان ذلك ذهبًا ولا فضة، قال: صحفًا وعلمًا، وعلق الحسن بن صالح بقوله: "وأي كنز أفضل من العلم؟! ".
1 / 19