كان من قدر هذه الصداقة الحميمة - وفي كل صداقة عظيمة جانب من القدر! - أن تؤثر على روح العصر كله، كما أثرت على الحياة الشخصية والعقلية للشاعر والفيلسوف. كانت بالنسبة لهيجل أكثر الصداقات دفئا في شبابه. وكان هلدرلين يحس بالراحة والهناء كلما التقى بهيجل. وليس أجمل من تواضعه حين يعترف بذلك فيقول: «إنني أحب رجال العقل الهادئين؛ إذ يستطيع الإنسان أن يهتدي برأيهم كلما التبس عليه الأمر في علاقته بنفسه وبالعالم.»
وليس من المبالغة أن يقال من ناحية أخرى إن الأساس الوجودي في فلسفة هيجل لا يمكن أن يفهم إلا إذا فهمت صلته الشخصية بهلدرلين. أما هلدرلين نفسه فيعترف في رسالة له إلى هيجل بأنهما على يقين من استمرار صداقتهما إلى الأبد. ثم يقول في حسرة: «كثيرا ما كنت روحي الملهم؛ أشكرك جزيل الشكر. إني أشعر بهذا منذ فراقنا شعورا تاما .. لا زلت أتمنى أن أتعلم منك أشياء، وأخبرك في بعض الأحيان بأحوالي ... يجب علينا من حين إلى حين أن نتنبه إلى أن لكل منا عند صاحبه حقوقا واجبة ...»
وقد يدهش القارئ إذا عرف أن الفيلسوف الذي لا يكاد يقرأ له حتى يتصبب العرق على جبينه قد أهدى صديقه الشاعر قصيدة تحمل من الرقة والحنان والدفء ما يندر أن نجده في كتاباته المعقدة المخيفة .. استمع إليه وهو يقول:
أقبل المساء، السكون من حولي وفي وجداني
صورتك، أيها العزيز، تتمثل لي،
وأتصور بهجة الأيام الماضية،
لكنها سرعان ما تتوارى أمام آمال اللقاء العذبة،
ويرتسم في خيالي مشهد العناق الملتهب
الذي أشتاق إليه من زمن طويل؛
ثم أتخيل الأسئلة التي نتبادلها،
Shafi da ba'a sani ba