ولا بد من الاعتراف أخيرا بأنني شغلت بهذا الكتاب في فترة أصبت فيها باليأس وخيبة الأمل في الحياة والناس. ولست أريد أن أشغل القارئ بحياتي الشخصية التي لا تهم أحدا، ولا أريد أيضا أن ألوم هلدرلين أو أحمله مسئولية هذه الكآبة التي تشع من حياته وأعماله، وإنما أسجل تجربة عشتها معه حتى كدت أن أتقمص روحه النقية الحزينة .. وأنا أعلم أن هذا شيء مكروه في الدراسات العلمية والموضوعية. ولكن عذري الوحيد أنني قصدت من الكتاب أن يكون تمهيدا متواضعا لقراءة هذا الشاعر الوحيد.
القاهرة في سبتمبر 1971م
عبد الغفار مكاوي
هلدرلين
الوطن
«وسأبقى ابنا للأرض، للحب خلقت وللألم.»
يقول سيد شعراء الألمان «جوته» في مقدمة دراساته وتعليقاته على ديوانه الشرقي: «من أراد أن يفهم الشاعر فليذهب إلى وطن الشاعر.» فكيف يبدو وطن شاعرهم العبقري المسكين هلدرلين؟ وكيف أثرت عليه طبيعة هذا الوطن، وسماؤه الصافية، وتلاله الوديعة، وغاباته الغامضة، وأنهاره الهادئة الحنون؟
لكلمة الوطن عند هلدرلين سحرها الغريب. فليس أرضا تقيدها الجمارك والحدود والحكومات، بل هو قوة وسر وحياة .. الفراق عنه وداع أسطوري، والعودة إليه عيد بهيج. هو الأرض التي يمشي فيها وحيدا، والحقل الذي تنمو فيه الكلمة «زهرة الفم»
1
كالزنبقة البرية، نقية وأبية، خشنة وبسيطة وبريئة من الخوف:
Shafi da ba'a sani ba