Hobbit Da Falsafa
الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق
Nau'ikan
لنتأمل الأقزام. إنهم مقيدون بطموحاتهم، التي على الرغم من كونها نبيلة من حيث المبدأ (إذ تتمثل في استعادة العدالة)، فإنها تسيطر عليهم تماما؛ إذ يصيبهم هوس شديد بالهدف إلى حد أنهم يصبحون بدورهم متعلقين به ومن ثم عبيدا له. ولعل التعلق بفكرة ما هو أسوأ أشكال التعلق؛ فالفكرة لا تتنفس، ولكن المخلوقات الحية تفعل. غير أن الطاويين (إلى جانب البوذيين، والهندوس، والشعراء، والفنانين، والزهاد، وعدد هائل من الفلاسفة)، يحذروننا من أن نضفي على فكرة، أو صورة ذهنية، أو رمز واقعية أكبر مما نضفيها على الواقع ذاته. ويحذرنا شاعر الزن من «إدراك الإصبع الذي يشير إلى القمر خطأ على أنه القمر ذاته».
إن اسم إمبتي مايند (خاوي العقل) لا يعني الغفلة أو الحماقة، وإنما يشير بدلا من ذلك إلى ما يطلق عليه الطاويون (والبوذيون) العقل العاكس؛ وهي حالة ذهنية وقلبية تعكس ما يعرض على المرء، لكن دون أن يتعلق المرء بما هو معكوس.
19
ومن ثم ينبغي أن نغرس حالة ذهنية وقلبية تشبه مرآة صافية وواضحة، وهذا هو معنى الاقتباس الافتتاحي لهذا الفصل لجوانج زي (369-286ق.م)؛ فمثل مرآة صافية، يعكس العقل الخاوي ما يلج إليه دون تقييمه أو الحكم عليه. وهو دائما يقظ ومنتبه، ولا يميز وجهة نظر على أخرى.
يعمد بيورن إلى تقديم واحة من السلوى، وإعداد مأدبة صاخبة، واستراحة للمسافرين قبل أن ينطلقوا لأصعب جزء من رحلتهم. يمثل هذا الكائن القادر على تغيير جلده إمبتي مايند، وهو يعيش في انسجام ووفاق مع جميع الأشياء الحية، من منطلق طبيعته الازدواجية التي تجمع ما بين الإنسان والدب. وهو يقتات على العسل، ولا ينشغل تماما بالذهب والجواهر وغير ذلك مما يسمى كنوزا، فيقدم لضيوفه بعض النصائح البالغة الأهمية قبل أن ينطلقوا عبر غابة ميركوود، محذرا إياهم - مثلما فعل جاندالف - من الانحراف عن الطريق.
لكلمة «طريق» معنى حرفي ومجازي. فلا ينبغي أن ينحرفوا عن الطريق عبر الغابة المظلمة، ولكن عليهم أيضا ألا يشردوا عن طبيعتهم الأصيلة؛ عن مساراتهم الشخصية؛ فنهر النسيان المسحور بإمكانه أن يغشي ذكرى طريقهم الصحيح في عقولهم. وكل هذه نصائح سديدة من شخص نجح في الالتزام بطريقه بالحفاظ على عقله خاويا وصافيا كمرآة.
وتعد حقيقة قدرة بيورن على تغيير جلده مشوقة بشكل خاص؛ فحين نكتسب ميولا وطبائع (كعبودية ثورين للانتقام، واستسلام بيورن من آن لآخر لطباعه الحادة، وهوس سموج بامتلاك الأشياء والاستحواذ عليها)، نخمد طبيعتنا الحقيقية المتوافقة مع الطاوية. فنحن نغير جلدنا بشكل ما، فنظهر وجهنا الزائف للآخرين ولأنفسنا، ولكننا ندفع ثمنا لذلك أيضا، ألا وهو إخفاء جلدنا الحقيقي وقمعه، أو كما يطلق عليه البوذيون المؤمنون بفلسفة الزن «وجهنا الأصلي قبل أن نولد».
يظل بيلبو طوال القصة مثالا للهوبيت النقي القلب، وهو تجسيد للعقل الخاوي؛ ليس فقط لبساطته الطبيعية وبراءته التي تشبه براءة الأطفال، ولكن أيضا لأنه يختار عن عمد أن يظل عازفا عن الرغبة في الذهب. وعلى الرغم من أن شرارة رغبة تومض في صدره حين يعثرون على الكنز، وتساوره لحظة افتتان تسول له الاحتفاظ بالأركنستون، فإنه يتخلى عن رغبته في الكنز، انطلاقا من روح الوو وي، ويتجنب الافتتان الذي اختبره الأقزام، بل إنه مستعد أن يقايض كل ذلك بكأس من الجعة المزبدة في حانة جرين دراجون !
بعد الاختفاء عن أنظار جيرانه في حفل عيد ميلاده رقم 111، استعدادا لتقلد دوره باعتباره رحالة من جديد، نجد بيلبو ليس لديه أي استعداد للتخلي عن الخاتم؛ ما يتطلب قدرا من الإلحاح من جانب جاندالف لإقناعه، فيحذره الساحر قائلا: «لقد أحكم الخاتم قبضته عليك أكثر مما ينبغي. فلتدعه! وحينها يمكنك أن تكون نفسك، وأن تكون حرا.»
20
Shafi da ba'a sani ba