Hobbit Da Falsafa
الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق
Nau'ikan
بل إننا كلما فكرنا بشأن الحظ قد يزداد ارتيابنا في أننا لا نعرف ما نتحدث عنه. إذن ما هو الحظ على أي حال؟
قدم أرسطو ثلاث رؤى أساسية سوف تعيننا على حل بعض من الألغاز التي سنواجهها؛ الأولى: هي أن حدوث شيء لمعظم الوقت أو طوال الوقت لا يعد مسألة حظ؛ فالأحداث المحظوظة غير مألوفة، ومن ثم غير متوقعة بشكل عام. الثانية: أن الحظ ليس سببا مستقلا قائما بذاته، ولكنه يوجد، بدلا من ذلك، في أسباب «متزامنة». الثالثة: أن الشيء يمكن أن يكون محظوظا (أو غير محظوظ) لأي شخص، فقط إذا كان خارج نطاق سيطرة الشخص. يمكن توضيح كل من هذه النقاط الثلاث بالبحث في الوقائع والأحداث المحظوظة في رحلة بيلبو.
تذكر مرور بيلبو أسفل الجبال الضبابية وعبر تيه كهوف الجوبلن، خاصة خروجه المثير عبر الباب الخلفي ذي الحراسة المشددة. حين يروي بيلبو قصة هروبه على رفاقه يرغبون بشكل عفوي في معرفة كيف فعل ذلك. كانت إجابته الاستهلالية: «أوه! فقط تسللت، كما تعلمون، بحرص وهدوء شديدين.» إجابة غير مرضية لهم، وهي كذلك بحق.
10
لا شك أن بعضا منهم لم ينظر إلى بيلبو بنظرة احترام جديدة فحسب، مثلما يخبرنا تولكين، بل أيضا اعتبروه هوبيت محظوظا للغاية. ولو أن الأحداث قد وقعت بالفعل مثلما رواها بيلبو، لكان بالفعل محظوظا بشكل غير عادي!
لو كان لشخص في قامة بيلبو أن يندفع راكضا في كهف يعج بالأعداء، متفاديا إياهم وقافزا فوقهم، لكان أمسك به. فمن غير المألوف إلى حد بالغ أن يتفادى شخص ما الأسر في مثل هذه الظروف؛ ومن ثم كان سيصبح من الملائم تماما أن تنظر إلى الأمر بوصفه مسألة حظ؛ حظ حسن للهارب، وسيئ للآسرين. غير أننا لم نكن لننظر لأسير مطاردة كهذه باعتباره ضحية «للحظ» السيئ، على الرغم من أنه كان سيصبح أمرا مروعا بشكل بشع له؛ لأن أسره كان سيصير أمرا متوقعا. وكما نصت رؤية أرسطو الأولى: لا يوجد الحظ فيما يحدث لكل الوقت أو معظمه. فحين يلم بشخص ما حدث عادي قابل للتوقع، سواء كان فيه منفعة أو ضرر أو كان محايدا؛ لا يكون الأمر مسألة حظ. فنحن نستدعي الحظ في تفسيراتنا حين يقع شيء مفاجئ.
إن قصة بيلبو بالطبع، كما نعلم، ما هي إلا كذبة بسبب ما بها من نقص وحذف بالغ. تخيل أنه كان أكثر صدقا وصراحة وأخبر جمهوره عن الخاتم السحري الذي وجده. فلو أنه حينئذ قد مضى يوضح كيف خرج من الباب الخلفي لما جنحوا تماما لاعتباره محظوظا «لهروبه من الحراس»؛ فلا أحد كان سيفكر قائلا: «كم هو محظوظ أنهم لم يروه أو يمسكوا به!» فنجاح شخص غير مرئي في تفادي مخلوقات لم تستطع رؤيته ليس فيه ما يثير الدهشة مطلقا. في الواقع، إن الأشخاص غير المرئيين يمكنهم - بشكل شبه دائم - أن يذهبوا حيثما شاءوا دون أن يكتشف أمرهم، ما لم يكن هناك تنين، أو بومباديل، أو فارس أسود موجودا بالجوار. ربما كان بيلبو محظوظا للغاية لعثوره على الخاتم، ولكن بالنظر إلى أنه قد وجد الخاتم، يكون تفاديه للحراس ليس مسألة حظ.
كيف تمكن بيلبو من حشر نفسه عبر الشق بالغ الصغر في باب الجوبلن الخلفي؟ مرة أخرى، قد نشير بشكل عفوي إلى الحظ باعتباره إجابة على هذا السؤال. وهذا الأسلوب في الحديث قد يوحي بأن الحظ هو نوع من الأسباب، أو قوة سحرية أحيانا ما تجعل الأشياء تحدث في العالم. تخيل أن بيلبو قد وجد خاتما سحريا يجلب للمرء الحظ، مثل شراب الحظ المسحور في قصص هاري بوتر: كلما وقعت في مأزق ترتدي الخاتم ببساطة، ويساعدك بشكل ما من خلال التدخل في النظام الطبيعي للأشياء. في حالة بيلبو، قد تكون قوة الحظ جعلت الفتحة تتضخم بشكل سحري على سبيل المثال، غير أنه حشر جسده عبر الباب؛ ومن ثم لم يكن هناك «حظ» سحري البتة!
ثمة لغز أرسطي يترصدنا هنا؛ فبينما نرى بيلبو محظوظا بالفعل، لا يبدو أن لدينا مجالا للحظ في تفسيرنا لهروبه؛ فالحظ يبدو كأنه قد اختفى لو حاولنا أن نفسر ما حدث بشكل دقيق؛ فهو لا يضيف أي شيء إلى التفسير السببي، غير أنه على الرغم من أن معظمنا لا يعتقدون بشكل جاد في خواتم الحظ السحرية (أو أشربة الحظ، أو أي شيء من هذا القبيل)؛ فإننا، مع ذلك، نتحدث عن الحظ كثيرا إلى حد ما. ولا شك أن كل هذا الحديث عن الحظ ليس مجرد هراء.
تحل رؤية أرسطو الثانية هذا اللغز بوصفها للحظ بأنه شيء يوجد حين «تتصادف» العوامل المسببة معا؛ لذا فلا غرابة في أننا نتحدث عن الحظ والمصادفة في نفس الوقت. غير أن أرسطو كان يقصد شيئا آخر أعمق بعض الشيء مما نقصده. لقد تمثلت فكرته في أن الحظ ليس عاملا مسببا «إضافيا» للعوامل التي تفسر كيفية إحداث تأثير ما. فالحظ ليس نوعا من السحر، وإنما يوجد الحظ أينما يتزامن عاملان مسببان عاديان تماما بطريقة ما غير متوقعة.
Shafi da ba'a sani ba