Jam'iyyar Hashimi
الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية
Nau'ikan
هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن «... البيوت التي تعرف ب «بيوت الله أو البيوت الحرام»، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل ... «وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة»، وهي: بيت الأقيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت رضاء، وبيت نجران، وبيت مكة ... وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل، من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويحلقون رءوسهم عنده ... «فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية» لأنها كانت لازمة ... وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة؛ لأن مكة كانت ملتقى القوافل؛ بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب.»
6
ويفهم من العقاد أن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعا، حتى جاء وقت - كما قلنا - أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا.
ويمكننا هنا التمييز بين مفهوم العربي الجاهلي لمعنى الألوهية ومعنى الربوبية؛ فالألوهية تعني إلها غير منظور يسكن السماء، ومن هناك يتساقط ملاط بيته الإلهي من آن لآخر، على هيئة أحجار سوداء. في حين أن الربوبية تشير إلى تقديس للأسلاف يتفق حجمه مع أهمية رابطة الدم عند العربي البدوي؛ وعلى هذا النحو عبد النبطيون حجرا أسود يرمز إلى الشمس كإله للسماء،
7
وعبد الهذليون حجرا أسود يرمز لمناة، وكان ذو الشرى حجرا أسود، وكذلك كانت الكعبة المكية إطارا لحجر أسود،
8
كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة؛ فهي أطر لأحجار سود. وسميت هذه الكعبات بيوت الله لأن «كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء»؛ تمييزا له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات؛ انتفاعا ببركات الأسلاف الصالحين، وتشفعا بهم عند إله السماء.
وواضح لدى أي باحث أن «هذا التفرق العقائدي، وتعدد العبادات والأرباب، قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية»، بحيث أصبح عائقا دائما ومستمرا في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب. إضافة إلى الطبع القبلي الذي يأنف كبرياؤه وينفر من فكرة سيادة سياسية واحدة - تلك المحاولات التي سبق أن أشرنا إليها - مثل محاولات زهير الكلبي، وعبد الله بن أبي، وكندة، والغساسنة، والمناذرة، وكان الدافع إليها جميعا حلما وأملا أججه الشعور الآتي بإمساك عنان تجارة العالم، ووجود هذا العالم مسترخيا ينزف في حروب طال مداها بين الإمبراطوريات الكبرى.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن مثل هذه المحاولات اتسمت بروح العصبية العربية الخالصة التي تجلت بدءا في اعتناق المناطق العربية الواقعة تحت النفوذ الإمبراطوري؛ أيديولوجيات أو مذهبيات دينية تخالف مذاهب الإمبراطوريات، حتى بلغ الطموح مداه في هجمات عربية متفرقة - لكنها شرسة - كرا وفرا، على حدود الدول العظمى، إلى درجة أن الشعور العربي بلغ أوجه متمثلا في فرح عام بالجزيرة كلها، عندما انكسر الفرس بعظمتهم وجبروتهم أمام حلف عربي صغير لقبائل شيبان وعجل وبكر بن وائل؛ في وقعة ذي قار؛
Shafi da ba'a sani ba