Jam'iyyar Hashimi
الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية
Nau'ikan
والمال؛ وقد تيسر من عشور التجارة، وتأليف القلوب حوله بالبذل والعطاء كالملوك، من خلال السقاية والرفادة.
وهكذا استطاع أن يجمع بين يديه كل الوظائف الرئيسية والدينية والتشريعية؛ فكان أول سيد مطلق النفوذ في دولته الصغيرة مكة.
الصراع على السلطة بعد قصي
إيمانا منه بفردية الحكم المطلق، وحتى لا تتفرق مكاسبه وتتناثر؛ ترك قصي بن كلاب كل سلطاته ووظائفه وسنته الزكية، لولده البكر عبد الدار، دون أخيه عبد مناف، ورحل إلى عالم الأسلاف، بعد أن أسس لقريش «دولتها الواحدة في مكة». ولكن قصي ما كان يعلم أن الحقد سيتملك قلب عبد مناف على ملك عبد الدار وما حظي به من تشريف؛ فكان أن توارث الأبناء أحقاد الآباء، وقام أبناء العمومة يستعدون القبائل على بعضهم، وتجمع بنو عبد مناف مع مؤيديهم في حلف المطيبين؛ فرد عليهم بنو عبد الدار وحزبهم بحلف الأحلاف، وتجمع الفريقان للقتال من أجل السيادة على مكة. ويشرح ابن كثير الأمر في قوله: «ثم لما كبر قصي؛ فوض أمر هذه الوظائف التي كانت إليه من رئاسات قريش وشرفها؛ من الرفادة والسقاية والحجابة واللواء والندوة، إلى ابنه عبد الدار، وكان أكبر ولده ... فلما انقرضوا تشاجر أبناؤهم في ذلك وقالوا: إنما خصص عبد الدر بذلك ليلحقه بإخوته؛ فنحن نستحق ما كان آباؤنا يستحقونه. وقال بنو عبد الدار: هذا أمر جعله لنا قصي، فنحن أحق به. واختلفوا اختلافا كبيرا، وانقسمت بطون قريش فرقتين؛ فرقة بايعت بني عبد الدار وحالفتهم، وفرقة بايعت بني عبد مناف وحالفوهم على ذلك.»
1
ولعله واضح لمن أصاب خبرة ودربة مع كتب التراث، انحياز هؤلاء الكتاب وأصحاب السير والأخبار الواضح لحزب عبد مناف، فيما وضعوه من تفاسير للأمر والتسميات؛ كما ورد - كمثال - في شرح السيرة الحلبية لما حدث: «فلما مات عبد الدار وأخوه عبد مناف، أراد بنو عبد مناف وهم: هاشم وعبد شمس والمطلب، وهؤلاء إخوة لأب وأم ... ونوفل أخوهم لأبيهم ... أن يأخذوا تلك الوظائف من بني عمهم عبد الدار، وأجمعوا على المحاربة ... وأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند باب الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، وتعاقدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم؛ فسموا المطيبين ... فتطيب منها بنو زهرة، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو تميم بن مرة، وبنو الحارث بن فهر، فالمطيبون من قريش خمس قبائل، وتعاقد بنو عبد الدار وأحلافهم، وهم: بنو مخزوم، وبنو سهم، وبنو جمح، وبنو عدي بن كعب، على ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا؛ فسموا الأحلاف لتحالفهم بعد أن أخرجوا جفنة مملوءة دما، من دم جزور نحروها ... وصاروا يضعون أيديهم فيها ويلعقونها؛ فسموا «لعقة الدم».»
2
وكان واضحا أنه برغم هذا الاصطراع، فإن المصلحة الاقتصادية العامة فرضت نفسها على جميع الأطراف؛ فكان الحرص على المصالح التجارية، وما سبق وحققه قصي من هيبة لقريش؛ عاملا جوهريا في حقن الدماء، وانتهى الأمر بالسلام؛ حيث تقاسم أبناء العمومة ألوية الشرف الموروث. حيث نجد «برهان الدين الحلبي» يتابع في سيرته القول: «ثم اصطلحوا على أن تكون السقاية والرفادة والقيادة لبني عبد مناف ، والحجابة واللواء لبني عبد الدار، ودار الندوة بينهم بالاشتراك.»
3
لكن الواضح للمتعامل مع كتبنا الإخبارية أن بني عبد مناف قد علا نجمهم وفشا أمرهم، إلى حد أنهم كانوا هم سفراء الأمان والإيلاف لدول العالم الكبرى حينذاك؛ وهو ما لاحظه الدكتور «أحمد شلبي» وسجله بقوله: «وكان بنو عبد مناف الأربعة يتوجهون إلى الجهات الرئيسية الأربع التي كانت تتجه إليها قريش؛ فكان هاشم يتجه إلى الشام، وعبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل (أخوهم غير الشقيق) إلى فارس، وكان تجار قريش يذهبون إلى هذه البلاد في ذمة هؤلاء الإخوة الأربعة، لا يتعرض لهم أحد بسوء.»
Shafi da ba'a sani ba