أما برياموس فقد غمرته السعادة والفخر بصديقه الذي تحمل وعورة الطريق، وجاء إليه يشد أزره في محنته، كما راقته كثيرا حلته الحربية المتوهجة التي تضارع حلة أخيليوس لمعانا وتوهجا.
قاد ميمنون جيشه ومعه الطرواديون في اليوم التالي لملاقاة الإغريق، ودرات معركة حامية بين الفريقين: ألقى كل منهما بكامل ثقله فيها. وتدافع الجيشان كأنهما أمواج البحر الهادرة، وراحت الأرض تهتز تحت أقدامهما، وصليل السيوف وقعقعة الرماح تملأ الجو، والغبار المتناثر من وقع الأقدام يبلغ عنان السماء، ويشكل غمامة كبيرة تكاد تحجب ضوء النهار.
شن باريس هجوما عنيفا على الجناح الأيمن من جيش الإغريق، وسرعان ما ظفر الطرواديون بقتل نبيلين وعدد آخر من الإغريق، في حين ركز ميمنون هجومه على الجناح الأيسر من رجال بيليوس، وكاد يقضي على الرجل العجوز نسطور، لولا أن تقدم ابنه أنتيلوخوس ليكون درعا واقية لأبيه، فاخترق الرمح قلب الشاب، وقضى عليه.
وبقلب مشحون بالألم والغضب، اندفع نسطور يهاجم الملك ميمنون، وأوشك هذا الاندفاع أن يفقده حياته، غير أن ميمنون صاح فيه، طالبا منه أن يقف بعيدا؛ فهو لن يقاتله تقديرا لصداقته.
اغتم نسطور، وذهب يبحث عن أخيليوس، يرجوه أن يقاتل ميمنون؛ كي يشفي غليله، ويطفئ ظمأه إلى الانتقام لابنه.
التقى أخيليوس وميمنون، ونشب بينهما عراك عنيف. وكانا يرتديان الحلتين البراقتين المتوهجتين، وكانت مناكبهما أعلى من مناكب جميع الجنود، يتقاتلان في شجاعة فائقة، لا يباليان بالموت الذي يتربص بهما، حتى إن الآلهة كلها وقفت ترقب المعركة؛ فقد كان كل من الرجلين سليل الآلهة، وابنا لإحدى الربات.
بعد تطاحن عنيف لم يكتب فيه الفوز لأحد البطلين. أراد زيوس أن يحسم الصراع الدائر بينهما، فرفع كفتي الميزان، فشالت كفة أخيليوس، وهبطت كفة ميمنون مثقلة بموته. وحينئذ استطاع أخيليوس أن يسدد له ضربة، اخترقت صدره، فسقط مضرجا بدمائه، وسرعان ما ذهبت روحه إلى العالم السفلي الرهيب.
كان مصرع ميمنون فأل سوء للأثيوبيين، ونذير شؤم للطرواديين. فما إن رأوه يخر صريعا، حتى دب الذعر في صفوفهم، وولوا هاربين نحو أسوار طروادة، وأخيليوس يتعقب فلولهم المولية الأدبار، يحدوه أمل في أن يفتح ثغرة في أبواب المدينة ينفذ منها الإغريق، ويستولون عليها. ولكنه ما إن بلغ أبواب المدينة، حتى رماه باريس بسهم، فأصابه - لسوء الحظ - في عقب ساقه اليمنى، وهي نقطة الضعف الوحيدة في جسد أخيليوس، التي يتسنى لأي سلاح بشري أن ينفذ منها، ويصيب منه مقتلا.
سقط أخيليوس العظيم صريعا، وبذلك تحققت نبوءة هكتور، وهو يعالج سكرات الموت.
عمت الفرحة الطاغية فلول الطرواديين المنهزمة، وعاودتهم الثقة في أنفسهم بعد مصرع أخيليوس، ورجعوا يحاولون الاستحواذ على جثة أخيليوس العظيم، لكن أياس العظيم ثابت لا يتزحزح، يعترض بدرعه القوية العريضة طريق الإغريق، ويحول بينهم وبين بلوغ جثة أخيليوس. بينما راح أوديسيوس يقاتل دونه بشجاعة فائقة، حتى استطاع في حماية درع أياس أن يحمل الجثة فوق منكبيه العريضين، ويعود بها إلى معسكر الإغريق.
Shafi da ba'a sani ba