Dokin Kore Ya Mutu a Kan Titunan Asphalt
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Nau'ikan
قال لأخيه ضاحكا: المهم انك معمر البيت. تجهم أخوه على غير ما يتوقع، لم يقل شيئا. لاحظ أن حامدا قد بدا عليه الحرج وتأوه من ثقل الحقيقة بصوت مسموع. ظهرت من بعيد عربة نقل كبيرة تقترب من المزلقان، سطع الكشاف عليهم فأضاء وجوههم، ووضع الدكتور يديه أمام عينيه. اقتربت العربة ورآها تتكدس بالبشر: رجال ونساء وصبية يصفقون ويغنون ويهتفون، كانت أصواتهم التي يتداخل فيها الصياح والزغاريد تظهر بؤس أصحابها أكثر مما تخفيه، تأملهم طويلا وهم يمرون عليه ويشيرون بأيديهم النحيلة السمراء، ويرددون: «عطشان يا صبايا دلوني على السبيل ...»
لاحظ وجوههم الشاحبة الصفراء، وجلاليبهم القذرة، وطواقيهم التي تغطي رءوسا متعبة من لهيب الشمس واللف والجري في بلاد الله.
قال سليمان: الأنفار خلصوا الجمع ومروحين. تذكر الدكتور أنهم عمال التراحيل، وأعجب بنفسه؛ لأنه لا يزال يذكر هذه التسمية. قال لنفسه إنه طالما أشفق عليهم وهو صغير، سألها: ترى هل يظلون كذلك في عصر الذرة؟ عاد يلح عليها بالسؤال: ماذا تفيد الدكتوراه إن لم تساعد هؤلاء؟ أحس في لحظة كأن كل جهده وعمره ضاع عبثا، تمثل له الغلب والشقاء على لقمة العيش والجري وراء الأرزاق، بدا له أنه طوفان أسود يغرق كل المعادلات التي تعب في فهمها، والمعادلات التي شقي في اكتشافها. قال سليمان وقد لاحظ اهتمامه بهم: ناس طيبين وعلى الله، عمر البلد ما اشتكت منهم، دائما ضيافتهم خفيفة. سكت الدكتور ولم يرد.
عبروا المزلقان وساروا في الطريق المؤدي إلى البيت. وقف سليمان لحظة ثم قال: باقول يا دكتور نتعشى عندي الليلة. سأل الدكتور مستغربا: عندك؟
أسعفه حامد: أصل يعني سي سليمان بنى له بيت، عقبال عندك إن شاء الله تبني لك فيلا في مصر ونحضر لزيارتك. قال الدكتور: أخفيت عني هذا أيضا. قال سليمان محاولا الابتسام: قلت أعملها مفاجأة. قطب الدكتور وجهه وقال: لا، نفسي أروح بيتنا الأول، الصبح أزورك وأتغدى مع الأولاد. تردد سليمان. أشاح حامد بوجهه بعيدا. ضحك الدكتور وقال: الله! يالله بنا على البيت.
سار الدكتور في المقدمة، لم يجد سليمان وحامد بدا من متابعته، تهامسا قليلا؛ ولكن لم يجرؤ أحد منهما على مصارحته. كان هو أيضا مشغولا عنهما بذكرياته عن أبيه وأمه وإخوته الذين ماتوا في طفولتهم، والحجرة الصغيرة الدافئة التي ولد فيها، والحمام الضيق والطست الذي كان دائما ينزلق فيه. وكان سيره الحثيث واستغراقه في الذكريات لا يمنعانه من تحية المارة والتطلع إلى البيوت التي لم يغير شكلها الزمان، والابتسام لكل ما يراه من مبان أو أشجار أو بهائم أو مخلوقات.
لم يكن البيت بعيدا عن المزلقان؛ فلا يكاد الإنسان يخطو عشرين أو ثلاثين مترا في الطريق المنحدر منه، ثم ينعطف في طريق آخر ضيق معروف بالطاحونة التي أقيمت في نهايته، ويخرج منه إلى ساحة صغيرة تطل على سوق القرية من ناحية وأحد المقاهي المشهورة بشاعر الربابة من ناحية أخرى؛ حتى يرى البيت بعدهما بقليل.
كان سليمان وحامد يسيران وراءه صامتين. حاول سليمان أكثر من مرة أن يقول شيئا؛ لكنه لم يعرف كيف يبدأ؟ ولا ماذا يقول؟ ألح عيله حامد وقرص ذراعه وخبطه على ظهره؛ لكنه كان يهمس له: خبر أبيه أهون. قل له انت يا عم؛ لذلك آثرا السكوت إلى أن نبهتهما صيحة خرجت من الدكتور: سليمان، حامد، ماذا حدث؟ اقتربا منه ووضعا الحقائب على الأرض، نفخ سليمان في يده، وطقطق حامد أصابعه. لم تخطئ عين الدكتور ولا أخطأت ذاكرته، لم يحتج أن يطيل البحث عن البيت. كانت هناك عروق من الخشب قائمة، وأكوام من التراب مكدسة، ورجل أو اثنان يجمعان الأخشاب على عربة كارو، وثالث خلع جلبابه وبقي عاري الصدر بسرواله الطويل، يرفع التراب في مقطف، ويكومه على جانب الطريق.
هتف الدكتور: بيتنا يا سليمان؟ تقدم منه سليمان ووضع ذراعه على كتفه.
قال مطرقا برأسه: كان لا بد عنها يا دكتور؛ البيت وقع وجاءته الإزالة.
Shafi da ba'a sani ba