Dokin Kore Ya Mutu a Kan Titunan Asphalt
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Nau'ikan
حلف شقيقه أغلظ الأيمان وحمل حقيبته، وخاف شهامة ابن عمه فسلم له الأخرى قبل أن يفتح فمه، وسار في الوسط وهو يبتسم لذكرياته، ويعانق القمر والأشجار والأرض المخضرة بنظرته وضحكاته. خبط حامد على ظهره وقال: والله سلامات؛ خمس سنين يا رجل! وانتزع سليمان نفسه من أحلامه وأحزانه ورفع رأسه إلى وجهه الأبيض الناعم، وقال: شرفتنا يا دكتور، البلد نورت. قال الدكتور: والله وحشتموني، هل تعرف ما في نفسي الآن؟ أن أذهب إلى بيتنا، وألبس الجلابية والطاقية، وأتمدد على الكنبة في المنظرة. وجم سليمان ونظر إلى ابن عمه، سكتا ولم يقولا شيئا. سبح الدكتور في ذكرياته: المزلقان، شريط السكة الحديدية، الكرة الشراب، خناقاته مع الأولاد، والشعر الذي كان يكتبه باللغة الإنجليزية وهو يتمشى على هذا الطريق.
غطت سحابة سوداء وجه القمر، هبت نسمة برد، فندم؛ لأنه لم يلبس «البلوفر». بدأت قطرات المطر تسقط رذاذها على شعره ووجهه، وسمعا من بعيد جلبة وصياحا. هتف حامد متسائلا: فرح محمد ابو اسماعيل الليلة؟
وأقبلت زفة في اتجاههم، وعندما اقتربت منهم لمح الدكتور رجالا وصبية يصيحون ويهتفون. كان بعضهم يحمل الكلوبات في يده، وفي الوسط يخطو العريس الأسمر الطويل في معطفه الأسود والطربوش على رأسه. ابتسم الدكتور، بانت السعادة على وجهه وملأت قلبه، هتف الرجال: يحيا العريس، يحيا العريس. وعندما مر الموكب الصغير بهم أوقفوه، وقالوا: سلام للجدعان، عقبال عندكم وعند أولادكم يا رجال.
تقدم الدكتور وسط الرجال وصافح العريس في حرارة، هتف رجل منبها العريس: الدكتور احمد ابو المعاطي يا اسماعيل. عانقه العريس وشد على يده، سأله في إخلاص: إزي حال أمريكا يا دكتور؟ ورفع فلاح صوته: أين «العروسة الأمريكاني»؟ ضحك الدكتور وقال: وبنات بلدنا يا جماعة عيبهم إيه؟ قال الجميع: والله فيك الخير. فتحت امرأة باب بيت مجاور وزغردت، صاحت بأعلى صوتها: والله لازم تشربوا الشربات، هتف العريس عندما أقبلت المرأة بالصينية وعليها الأكواب الحمراء: والله لا انت شارب الأول يا دكتور. زغردت المرأة وشرب الجميع. شد الدكتور على يد العريس مرة أخرى، وقال له وهو يضحك: مبروك، شد حيلك «يا ابو اسماعيل».
كانت قطرات المطر لا تزال تسقط متفرقة، والقمر يحاول أن يطل بين السحب السوداء، وكان الدكتور يبتسم في سره؛ فلم يلاحظ أن حامدا يهمس في أذن شقيقه الذي سار مطرق الرأس. قال سليمان: والله أوحشتنا يا دكتور، حمدا لله على السلامة. قال الدكتور ضاحكا: الله يسلمك، والله أنتم الذين أوحشتموني، كيف حال صلاح وجميلة؟ (كان هذان هما اسمي طفلي سليمان).
قال شقيقه: «يبوسان الأيادي»، إن شاء الله تقعد معنا يومين؟ قال الدكتور: كله على الله، الشغل في مصر ينتظرني.
قال سليمان: في الجامعة إن شاء الله؟ قال الدكتور: لا، في المؤسسة.
هتف حامد: مؤسسة اللحوم؟
ضحك الدكتور بصوت جعله يتعجب من نفسه: كل شيء جائز؛ لكنهم طلبوني في مؤسسة الطاقة الذرية. قال حامد: الذرية؟ يعني حضرتك دكتور في الذرية. قال سليمان ينبهه: يا جدع ده دكتور في الذرة، أول واحد في المديرية كلها. قال حامد وكأنه فهم: آه! طيب كنت «قول» من الأول. ضحك الدكتور وأمسك برأس حامد وقبله. لم يدر لماذا فعل هذا؟
سار الثلاثة صامتين. كان الدكتور يسأل بين حين وحين عن الزرع والمحصول، أو يستفهم عن غيط يبدو من بعيد، أو عن التقاوي الجديدة، وحال الناس مع الجمعية والدودة التي قرأ وهو في البعثة عن بهدلتها للقطن والفلاحين. وعاد يسأل عن البيت والمنظرة، وهل يسهرون فيها كالعادة في رمضان؟ ثم التفت لأخيه، وقال: لم تفدني عن صحة الوالد؟ هل وصلتكم آخر شحنة من الدواء؟ سمع حامد يهمس في أذن أخيه بصوت مسموع: قل له، يا رجل قل له.
Shafi da ba'a sani ba