Dokin Kore Ya Mutu a Kan Titunan Asphalt
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Nau'ikan
أمن طالب الطب على كلامه؛ ولكنه واصل اعتراضه قائلا: ولكن المصريين لم يكونوا قد عرفوا العجلات الحربية؛ فكيف يجر حصان أحمس أو رمسيس؟
قال الشاب ضاحكا ضحكة عالية: انظروا إلى بطاقتي وتيقنوا بنفسكم، هناك عشرات النقوش محفورة في المعابد، تشهد بأن هذا الحصان هو الذي قاد عربة فرعون! انظروا في بطاقتي ولا تخافوا.
وبدا أن الحاضرين لا يهمهم أن ينظروا في بطاقته، ولا أن يتيقنوا إن كان من رجال المباحث، أو حتى من رجال السيرك. وتدخل الحصان بنفسه لكي يمنع نزاعا يمكن أن ينشب بسببه في أية لحظة: نعم كنت أنا الحصان الأصيل؛ كنت أجري في الجبال والغابات، وأخطر على ضفاف الأنهار بلا سرج أو لجام! كنت حرا كالهواء، خفيفا كالسحاب، أبيض الجبين كالفجر؛ أتهادى كالموج، وأركض كالعاصفة؛ وأغضب كالرعد، وأحب كالأطفال؛ إلى أن وضع الإنسان السرج على ظهري، واللجام في لساني. ورضيت حين عرفت أن الذين سيركبونني هم الشجعان والفرسان! ياما انطلقت بهم، وصرخت معهم في وجوه الأعداء، ودست على جثث الكفرة والمجرمين! شاكست الإسكندر طويلا حتى تيقنت شجاعته، فألنت له ظهري، ورحت أجوب معه العالم من بلاد النبيذ والزيتون والحكماء إلى بلاد في السند والهند تركب الأفيال! صحبت فرسان العصور الوسطى التي تسمونها اليوم ظلما بعصور الظلام، ودافعت معهم عن الشرف والدين، وسمعتهم يلقون في الحب أجمل الأشعار! هل كان مار جرجس يستطيع من غيري أن يقتل التنين؟ أكان خالد يهزم الفرس والروم؟ أكان عنترة يخيف الأعداء ويكتب المجد لشعره وجلده الأسود وحبيبته السمراء؟ ماذا أقول يا سادة يا كرام؟ ومن أذكر أو من أنسى من الفرسان؟ كان ياما كان، وأنتم ترونني الآن بعد أن تغير الحال والزمان!
قال الشاب ذو النظارة: ما زلنا نحبك أيها الحصان، ونعجب بغرتك البيضاء وخطوتك البديعة في الشارع وفي السباق، اطمئن فسنعالجك وتعود إلى سالف الأيام!
زفر الحصان زفرة عالية، وأمال رأسه على أرض الرصيف، وقال: لا يا ولدي، لم يعد في العمر بقية للمجد والعز والسلطان! ها أنا ذا أموت بعد اللف في الشوارع وعذاب السوط واللجام! كنا أنا وأصحابي نسابق الريح، ونطاول النجوم، ونجمع القوة والضعف والغضب والحنان، كنا نزأر في الحروب كالبركان، ونرق في السلم كالأطفال والغزلان! ماذا دهانا يا ترى؟ وماذا جرى للفرسان؟ صرنا نجر العربة الكارو، ونتحمل السياط، وننقل البصل والخشب والخضار والعزال!
كان العربجي يقف مشدوها لا يصدق ما يسمع ولا يفهمه، وكان كل ما يخشاه أن يأتي العسكري ويأخذه إلى الكركون، أو تسمع الحكومة ما يقوله الحصان ويشهد عليه الحاضرون! ولما طال به الانتظار صاح في الجميع: يا عالم خلونا في حالنا، ابني وانا مربيه، واعرف ضرره من منفعته، يا ناس الله يسهل لكم ابعدوا عنا!
وكان الصحفي فيما يبدو قد أفلت من الجمع دون أن يحس به أحد، وعاد يخترق الحلقة مرة أخرى ويقول ساخطا: ساعة وأنا أطلبهم في التليفون! طلبت الإسعاف فرد علي التليفزيون!
لم يرد عليه الطالب، كان الجميع يقفون حزانى صامتين، لم يلفت انتباههم حضور العسكري من القسم القريب، وتقليبه في رأس الحصان وجسده؛ بل لم يفطنوا إليه وهو يمسك العربجي من رقبته ليشده إلى مركز البوليس ويعمل له المحضر؛ فقد كان الحصان ممددا بجسده الجميل المجروح على أرض الشارع، ورأسه الهامد على الرصيف جحظت فيه العينان كدمعتين كبيرتين واسعتين! تلفتوا بعضهم لبعض، ثم بدءوا ينصرفون كل إلى حاله. ولا بد أنهم ظلوا لفترة طويلة يتذكرون الحصان في الميدان؛ الحصان الأخضر الذي مات على شوارع الأسفلت! (1968م)
تذكر يا مولاي
هي عبارة قالها رجل مجهول لرجل آخر مجهول، في ظروف لا ندري الآن عنها شيئا؛ ربما سمعناها تروى كنادرة أو مثل، وربما قرأناها في أحد الكتب أو المخطوطات العتيقة، بل ربما جاءت على لسان إحدى عجائزنا كموعظة أو حكمة من السلف الصالح أو الزمن القديم؛ غير أننا قليلا ما نسأل أنفسنا عن قائلها أو عمن قيلت له، ونادرا ما نحاول أن نعرف صيغتها التي قيلت بها، أو ندرك معناها ومغزاها.
Shafi da ba'a sani ba