Herodotus: Gabatarwa Ta Gaggawa
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
ومع ذلك، فقد عاش هيرودوت في زمن اضطراب فكري هائل في اليونان؛ زمن تراوح فيه الاعتقاد الديني بين التقوى المطلقة والشكوكية الهازئة، وقد أخذ على عاتقه رسالة إنشاء تاريخ فكري لزمنه يتضمن الحكايات التي كانت سمة لمختلف الثقافات محل الدراسة؛ إذ يقول إن الخطة العامة لعمله هي «تسجيل تقاليد مختلف الشعوب كما حكيت لي»، مضيفا أنه على الرغم من التزامه بتسجيل ما سمع، فإنه يقينا ليس مضطرا لتصديقه. ومن ثم، فلو لم يأت على ذكر التجليات الدينية كما رواها «شهود عيان» لكان ذلك مستغربا. فالعداء فيديبيدس، الذي أرسله الأثينيون الموجودون في ماراثون إلى إسبرطة، روى أنه رأى بان - إله الغابات - الذي شكى له إهمال الأثينيين إياه. وبعد الحرب، وتصديقا منهم قصة فيديبيدس، أقام الأثينيون للإله معبدا، وأقاموا سباقات سنوية وأضحيات إكراما له (وفي مرحلة لاحقة في التاريخ الإغريقي، حرص الجنود على وجه الخصوص على عبادة بان؛ إذ كان يعتقد أنه يلقي رعبا مفاجئا في قلوب الجيوش، ومنه اشتقت كلمة
panic
الإنجليزية وتعني «الرعب»). وقيل إن جندي قوات مشاة ثقيلة خياليا عملاقا، له لحية مخيمة على درعه، مر بالجندي الإغريقي بيزيلون أثناء المعركة ذاتها وأصابه بالعمى مدى الحياة. وخلال غزو خشايارشا، عندما أخرج الرعد والصخور المنهارة الفرس من دلفي، روى من نجوا بحياتهم قصة معجزة:
قالوا إنهم رأوا فردي قوات مشاة ثقيلة عملاقين يفوقان أي رجل طولا يطاردانهم ويقتلانهم. ووفقا لسكان دلفي، كان هذان الشخصان فيلاكوس وأتونوس، وهما بطلان محليان لكل منهما مزار مقدس بالقرب من المعبد.
فهل نخلص إذن إلى أن هيرودوت يضمن هذه الحكايات لا لشيء إلا ليعطي القارئ حسا بتجربة المعركة، بذهنية الجندي الإغريقي؟ ليس بهذه السرعة؛ لأن الحقيقة هي أنه يروي على لسانه المادة التي تكتنف حكاية الناجين، ويقول إن أسلحة الإله المقدسة انتقلت بشكل يتعذر تفسيره من مكانها المعتاد داخل المعبد، وعندما بلغ الإغريق معبد أثينا بروناي (أثينا أمام المعبد):
حدثت لهم معجزات أعظم حتى من التي قصصتها حالا؛ شيء معجز تماما أن تنتقل الأسلحة الحربية من تلقاء نفسها، فترى على الأرض خارج المعبد، لكن ما حدث بعد ذلك هو يقينا أحد أكثر الأشياء التي عرفتها على الإطلاق إثارة للدهشة. فبمجرد وصول الفرس إلى معبد أثينا بروناي، نزلت عليهم الصواعق من السماء، وانفلق جلمودا صخر عظيمان عن برناسوس وسقطا بينهم، وتهشما محدثين جلبة هائلة، فقتلا عددا كبيرا، فيما سمعت في الوقت نفسه صيحة قتال من داخل المعبد ... وكانت الصخور التي سقطت من برناسوس لا تزال هناك في زمني.
في حين أن هيرودوت لا يعزو هذه الأحداث المذهلة صراحة إلى إله معين - مثل أبولو (بفضل دلفي) أو أثينا (بفضل المعبد) - نترك على الرغم من ذلك ولدينا انطباع عن رجل يخشى الإله، ويجدر بنا أن نتجنب حصره تماما في المعسكر الشكوكي دون أي فرصة للفكاك.
هوامش
الفصل السابع
هيرودوت القاص
Shafi da ba'a sani ba