Herodotus: Gabatarwa Ta Gaggawa
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
أمستريس هي الوحيدة في هذه الحكاية البشعة القادرة على التحكم في مصيرها. ويستخدم هيرودوت في هذه الحكاية فكرة الوعد المقدر استخداما مزدوجا؛ فخشايارشا مفتون جدا بابنة أخيه/عشيقته أردانيت، لدرجة أنه يعرض، دون تبصر، منحها أي شيء تريده. ويبين لنا هيرودوت أن أمستريس كانت قد نسجت لخشايارشا وشاحا جميلا، طويلا وغنيا بالألوان ، وكثيرا ما كان يرتديه وهو ذاهب لزيارة أردانيت، وهذا هو بالضبط الشيء الذي تطلبه منه أردانيت؛ لأنه «كان مقدرا أن تنتهي هي وأسرتها كلها نهاية سيئة» كما يقول هيرودوت. وقد قال الشيء نفسه تقريبا عن كاندوليس. فعل خشايارشا كل ما في وسعه للتملص من وعده إدراكا منه أنه ستقع مشكلات خطيرة إذا وهب أردانيت ما صنعت يدا زوجته، فعرض عليها المدن وما تشاء من ذهب، بل وقيادة جيش، لكن بلا طائل، كل ما كانت تريده هو الوشاح، وبمجرد حصولها عليه دأبت على التبختر به هنا وهناك («انظروا ما أعطانيه عشيقي الملك!») ويبدو أن أردانيت الشابة لديها حب الظهور مثلها مثل كاندوليس.
بعد أن تعلم أمستريس بما يجري، تستغل عادة فارسية تقضي بأن يمنح الملك ضيوفه في حفل عيد ميلاده أي هدية يشاءون، فتطلب زوجة ماسيستس، فيحتج خشايارشا بقوة تارة أخرى، لكن لا خيار أمامه مجددا. وبعد أن تصير المرأة التعيسة في حوزة أمستريس، تستعين بحرس خشايارشا الشخصي على قطع ثدييها وأنفها وأذنيها وشفتيها ولسانها، ثم ترسلها إلى بيتها كي يراها ماسيستس، الذي يجن جنونه فيجمع أبناءه ويعلن تمردا، لكن جيش خشايارشا يلحق بهم ويقتلهم. وهكذا فقد خشايارشا أخاه الحبيب، لكن أمستريس دمرت الأسرة التي هددتها. لا نعرف إلى أي مدى عاشت هي وخشايارشا معا في هناء بعد ذلك، لكن من بين كل الشخصيات التي اشتملت عليها هذه الدراما، هي وحدها التي ينتهي بها الحال وهي على القمة؛ إذ سيعرف قراء هيرودوت أن خشايارشا قتل بعد ذلك ببضع سنين في مؤامرة اشترك فيها ابنه الذي يخونه أبوه مع زوجته. لقد انتهكت أمستريس، مثلها مثل زوجة كاندوليس، على يد زوج مستهتر (لن يكون خشايارشا آخر سياسي يختار عشيقة مشكوك في فطنتها)، وهي - مثلها أيضا - توضح أن معرفة المرء كيف يعامل زوجته جزء لا يتجزأ من كونه حاكما صالحا. إنها ليست شخصية محبوبة للغاية، لكنها جريئة وقوية العزيمة.
إذن فأول الحكايات التي تحكى في «تاريخ هيرودوت» - وهي بعيدة كل البعد عن كونها مجرد مكيدة من مكائد البلاط - تفتح الباب أمام قضايا أوسع ستلعب أدوارا أساسية في سرد هيرودوت؛ ألا وهي نزوع الأوتوقراطيين (والآخرين ممن هم في المجتمعات الأوتوقراطية) إلى إساءة معاملة النساء، وأخطار حب الظهور، والمكانة البارزة لدور المرأة في التاريخ، وضرورة أن يعامل الرجال النساء معاملة كريمة.
يصور «تاريخ هيرودوت» النساء على امتداد صفحاته كمفعولات بهن وفاعلات على السواء، وبما أنه من البديهي أن تجعل الحرب النساء ضحاياها البائسات، فإن دورهن الفعال هو الأجدر بالملاحظة. وقليل من نساء هيرودوت يخدمن في الجيش، لكن من يخدمن فيه لا ينسين، وأبرزهن تومايريس ملكة الماساجيتاي، وأرتميسيا ملكة هاليكارناسوس. فتومايريس هي التي تسقط قوروش، مؤسس الإمبراطورية الفارسية المهيب. ويقدم موته على يدي امرأة صورة مقلوبة تماما لمولده ونشأته؛ فعندما سعى جده أستياجس إلى التخلص منه، كانت البسيطة سينو، زوجة راعي غنم، هي التي أخذته وربته كابن لها، مستعيدة بذلك التوازن إلى كل من أسرتها - إذ كان الطفل الذي وضعته لتوها جهيضا - وإلى الأسرة المالكة التي أيقنت أنه لا ينبغي أن تحرم من وريثها الشرعي. وبعد أن يستعيد قوروش ميراثه ويحل محل المتآمر أستياجس، يمضي ليتمتع بعلو نجمه كحاكم إلى أن يلاقي صنوه على هيئة الماساجيتاي الذين كانوا يعيشون شرق بحر قزوين. يقول هيرودوت إن عوامل عديدة كانت وراء حماسه للهجوم على هذا الشعب، لكن العاملين الرئيسين هما نجاحه الدائم في حملاته السابقة و«إيمانه بالطبيعة الخارقة لمولده». بعبارة أخرى، لولا المرأة التي أنقذته؛ وهي سينو (وكان والداه قد نشرا القصة الإعجازية التي تقول إنه ربي على يد كلبة، وهو ما كانت تعنيه كلمة «سينو»)، ما كان قوروش ليمضي قط لمهاجمة امرأة أخرى، وهي المرأة التي دمرته في معركة وصفها هيرودوت بأنها «أشرس معركة على الإطلاق تدور رحاها بين طرفين غير إغريقيين»؛ فتومايريس متحجرة القلب ومتعطشة للدماء، وهذا أمر معقول؛ فهي لا تحارب للدفاع عن أرضها فحسب، بل لتثأر لابنها الذي انتحر عندما وقع في أسر قوروش. وعندما تمسك رأس قوروش، تحشرها في زق مليء بدم بشري ، موفية بعهدها الذي قطعته له بأن «تروي تعطشه للدماء».
وأما أرتميسيا ملكة هاليكارناسوس فهي قصة مختلفة تماما، يأتي هيرودوت بأرتميسيا على خشبة المسرح لأول مرة أثناء تعديده ضباط أسطول خشايارشا، فيقول إنه لا حاجة إلى ذكر كل الضباط واحدا واحدا، لكن ثمة اسما واحدا لا يمكن إغفاله؛ «لأنني أعتبر أن مشاركة أرتميسيا، وهي امرأة، في الحملة ضد اليونان من العجائب.» لا غرو أن هيرودوت كان فخورا يقينا بأن فتاة من بلدته الأصلية حققت إنجازا، لكن اهتمامه بها يتجاوز حدود التفاخر؛ ففي تفسيره، تقوم أرتميسيا، مثلها مثل تومايريس، بدور ملحوظ ككاسرة للقواعد الجنسانية تشكك في الأدوار الجنسانية التقليدية في كل من العالم الإغريقي والعالم البربري. وكما يروي هيرودوت، فعلى الرغم من أنها كان لها ابن ناضج قادر تماما على قيادة قواتها المسلحة، كانت متحمسة للمشاركة في الحملة بشجاعة ورجولة، وهما صفتان لا ينسبان غالبا لامرأة. هذه الخصوصية الجنسانية تعاود الظهور بعد موقعة ثيرموبيلاي، وذلك عندما تحذر أرتميسيا وحدها من بين قادة خشايارشا من القتال في سلاميس، موضحة أن الفرس يمكنهم بسهولة أن يفوزوا بلا منافسة إذا امتنعوا عن قتال الإغريق ضعاف المعنويات. وتقول إن خوض معركة بحرية فكرة مفزعة؛ بما أن «الإغريق متفوقون بشدة على رجالك، فيما يتعلق بالقتال في البحر، كتفوق الرجال على النساء!» وهذه ملاحظة لا تنسى جاءت على لسان قائدة بحرية. إن أرتميسيا متماهية بشدة مع الرجال لدرجة أنها تعتنق تنميطهم الجنساني، على الأقل لأغراض خطابية، وعلى الأقل في إعادة هيرودوت بناء الأحداث.
يفتقر مستشارو خشايارشا الآخرون إلى الخيال في التكهن برد فعله بقدر افتقارهم إليه في وضع استراتيجية بحرية، فهم يتوقعون أن يغضب الملك. ولكن الحقيقة أنه يعجب بها أشد الإعجاب، لكن لأنه خشايارشا، لا يستطيع تصديق أن أرتميسيا على صواب، فلا يقبل نصيحتها. يهتز هيرودوت طربا بكل تأكيد لإطلاعنا على الحيلة البارعة التي أنقذت بها أرتميسيا نفسها؛ إذ أقدمت لما طاردتها سفينة أثينية - وفي إبانة غير عادية عن سرعة التفكير - على ضرب سفينة أخرى تقاتل في صف الفرس فأغرقتها على الفور، فافترض القبطان الأثيني أنها لا بد أن تكون إما إغريقية وإما فارة من القتال في صف الفرس، فتخلى عن مطاردتها. أما خشايارشا، ظنا منه أن أرتميسيا لا بد وأنها أغرقت سفينة إغريقية (وقائلا ما هو متوقع أن يقوله عن الجنسين)، هتف قائلا: «رجالي تحولوا إلى نساء، ونسائي تحولن إلى رجال!»
في النهاية لا تؤثر أرتميسيا على مسار التاريخ؛ إذ لا تكفي بطولاتها على متن السفن للحيلولة دون انتصار الإغريق، لكن هناك نساء أخريات يصورن باعتبارهن يلعبن أدوارا كبيرة في تشكيل الأحداث؛ فزوجة كاندوليس تتسبب في تحول في السلالات الحاكمة في ليديا، لكنها تضع أيضا الأساس لإطاحة كرويسوس في الجيل الخامس كانتقام إلهي للجريمة التي حرضت عليها جيجس، حيث تنقذ الجارية سينو قوروش وتربيه، وتتسبب الملكة تومايريس في موته. ولا شك أن دارا لديه دوافع كثيرة لغزو اليونان، من بينها التمرد الأيوني، لكن وصف هيرودوت يسلط الضوء على تسلسل الأحداث التي بدأت بخراج في ثدي أتوسا زوجة الملك التي - بدافع من عرفانها العميق بالجميل للطبيب اليوناني ديموسيدس - تلبي طلبه بأن تلح على دارا للمسير إلى اليونان، وتنجح في مسعاها.
خاتمة إغريقية:
نظرا لمكانة النساء البارزة بشدة في الحياة العامة خارج اليونان، يكرس هيرودوت مساحة أكبر نوعا ما للنساء «البربريات» مقارنة بالإغريقيات، لكن الإناث الإغريقيات يلعبن أدوارا أساسية في «تاريخ هيرودوت» أيضا؛ إذ يقودنا السرد إلى اعتقاد أن تمرد الأيونيين على بلاد فارس ربما كان سينجح لو أن جورجو - ابنة كليومينس ملك إسبرطة الصغيرة - لم تحذر أباها من أخذ أموال من المحرض أرستاجوراس، فالأنماط غير الإغريقية لها نظائر إغريقية. وعلى الرغم من أن هيرودوت يربط الوحشية في اليونان في المقام الأول بالحكام الأوتوقراطيين، فإنه يعيد أيضا إنتاج نمط الفعل الذكوري ورد الفعل الأنثوي بين الشخصيات الإغريقية المتواضعة، حيث يروي أن نساء ملطية تناقلن جيلا بعد جيل قانونا يحظر عليهن تناول الطعام مع أزواجهن أو مخاطبتهم بأسمائهم، مقدما التفسير التالي: كان هؤلاء النساء قد أجبرهن الإغريق الذين قتلوا آباءهن وأزواجهن وأبناءهن على الزواج منهم. إن الهمجية الفارسية أكثر شيوعا من الإغريقية، لكن الفرس ليسوا محتكرين للوحشية.
تستحضر حكاية النساء الملطيات الأمازونيات اللائي نقلن - كما رأينا - ثقافتهن إلى أطفالهن. أما لمنوس فقصة مختلفة، حيث حاول النساء هناك أيضا أن يفعلن هذا، لكن جهودهن أسفرت عن مقتلهن ومقتل أولادهن. ويروي لنا هيرودوت كيف أنه عندما أسر البيلاسجيان بعض النساء الأثينيات وأجبروهن أن يكن محظيات في جزيرة لمنوس، دأب هؤلاء النساء في البداية على الحفاظ على ثقافتهن، فلم يعلمن بناتهن فحسب، بل أبناءهن أيضا «أن يتصرفوا مثل الأثينيين وينطقوا بالإغريقية الأتيكية.» لكن بمرور الوقت، بدأ هؤلاء الأطفال يستعلون على ذرية نساء البيلاسجيان، مما أثار قلق البيلاسجيان بشأن ما سيحدث عندما يكبرون، وبالتالي قرروا قتل أولادهم من الأثينيات، وكذلك قتل الأمهات.
Shafi da ba'a sani ba