Herodotus: Gabatarwa Ta Gaggawa
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
ولا يصور هيرودوت الفرس من منظور غير إطرائي تماما؛ فيصورهم كمقاتلين شجعان في بلاتايا، وفي مقابل ماردونيوس المداهن المراوغ نجد أرطبانس الشجاع بعيد النظر الذي يكرر مع خشايارشا الدور الذي لعبه سولون مع كرويسوس. يتجشم هيرودوت عناء كبيرا لإضفاء الطابع الإنساني حتى على خشايارشا، مسلطا الضوء على قلقه الأولي بشأن غزو اليونان؛ إذ بدأت تنتاب الملك برودة في قدميه في الليلة التي تلت إعلانه عن نواياه لمستشاريه، ثم يرتاع الملك لمرأى الشبح الذي يظهر له في سلسلة من الأحلام التي تنذره بالعواقب إذا لم يمض في الطريق حتى النهاية. علاوة على ذلك، فعندما يتوقف لتفقد قواته وهو في الطريق إلى اليونان، يدخل مرأى الهلسبونت وسفنه تغطي صفحته كاملة، واليابسة القريبة وهي تعج بجنوده، البهجة على نفسه في البداية، فيصف نفسه بأنه سعيد، ويجهش فورا بالبكاء، فيستفسر أرطبانس - الذي لم يعاقبه خشايارشا في نهاية المطاف بتركه من خلفه مع النساء في بلاد فارس - عن هذا التغير المفاجئ في الحالة المزاجية، فيجيبه خشايارشا: «كنت أتدبر الأمور، وخطر ببالي كم قصيرة هي الحياة البشرية بشكل يدعو للرثاء، فمن بين كل هذه الحشود، لن يبقى أحد على قيد الحياة بعد مائة سنة من الآن.» في هذه المرة، وعندما يرد أرطبانس بمحاضرة طويلة عن تقلبات الحياة البشرية، لا يغضب خشايارشا، بل يقر بأن أرطبانس وصف الحالة الإنسانية فأحسن الوصف. حتى خشايارشا له لحظاته في «تاريخ هيرودوت».
أخيرا، فإن انتصاري بلاتايا وميكالي المزدوجين ليسا آخر ما نسمعه عن تعاملات الإغريق مع الفرس؛ فبعد موقعة ميكالي، ضرب الأثينيون بقيادة زانثبوس حصارا حول سيستوس، أقوى معقل فارسي في المنطقة المعروفة الآن باسم شبه جزيرة جاليبولي. وسنعلم أن الحاكم المحلي أرتياكتيز كان رجلا رهيبا، سرق كميات هائلة من قرابين النذور من ضريح بطل الحرب الطروادية بروتيسيلاوس في مدينة أيلة القريبة - أموال وأقداح من الذهب والفضة - بل والأسوأ من هذا أنه سيأخذ إلى الضريح نساء ويضاجعهن، وهو أمر محرم تحريما قاطعا في الأعراف الإغريقية. وعندما تسقط سيستوس في النهاية، يعرض أرتياكتيز مبالغ مالية طائلة ليفتدي نفسه وابنه، لكن زانثبوس يرفض الأموال؛ فشعب أيلة يريد الانتقام لتنديس الضريح ويطالبون بإعدام أرتياكتيز، ويميل زانثبوس نفسه إلى هذا المنحى، وهكذا يمسمره الأثينيون في لوح من الخشب ويرجمون ابنه بالحجارة حتى الموت أمام عينيه.
يوجد نحو ألف شخصية مسماة بالاسم في «تاريخ هيرودوت»، وأرتياكتيز مجرد واحد منها، ولو نسيت اسمه، فستحتفظ القصة بمعناها. لكن اسم بروتيسيلاوس، الذي دنس أرتياكتيز ضريحه، يعد بمنزلة لمسة لطيفة من أسلوب الإنشاء الحلقي الأدبي، تعيدنا إلى أصول الحرب الطروادية التي بدأ بها «تاريخ هيرودوت». لم يكن زانثبوس - كما كان يعرف أي إغريقي - مجرد جنرال إغريقي؛ إذ كان أبا بركليس، مهندس الإمبريالية الأثينية. وقد يتذكر القراء أيضا واقعة سابقة في «تاريخ هيرودوت» عندما قام الفارسي أورويتيس بشنق بوليقراط الساموسي على صليب، والآن حان دور الإغريق ليقوموا بعملية الصلب. وهكذا يختتم «تاريخ هيرودوت» بنبرة منذرة بسوء؛ إذ استبدل هيرودوت بالخاتمة الاحتفالية المتوقعة ما يمكن أن يسميه باحث موسيقي «قفلة مفاجئة»، وبدلا من التآلف النهائي الذي نتوقعه، نحصل على شيء نشاز وغير متوقع، مما يتركنا على أقل تقدير في حالة من التشكك، وعلى أقصى تقدير قلقين بعمق بشأن ما سيحدث.
ظل هيرودوت دائما مصدرنا الرئيس حول الحروب الفارسية، وكان لكل معركة سردها أبطالها. وقد اشتهر عن جون ستيورات ميل إشارته إلى أن «موقعة ماراثون، حتى كحدث في التاريخ الإنجليزي، أهم من معركة هاستينجز.» قوية هذه الكلمات، لكن المكانة الأولى لم تعط بوجه عام إلى أي من الانتصارات الإغريقية المذهلة، بل إلى هزيمة ثيرموبيلاي ذات الشهرة العالمية؛ لأن المرء يجد دائما ما يواسيه إذا شعر أن باستطاعته إعادة صب عملية إبادة تامة في قالب تضحية طوعية في سبيل الوطن. وكما كتب مونتين سنة 1580: «هناك هزائم انتصارية تنافس الانتصارات»، ولا شيء من انتصارات الإغريق على الفرس يضاهي في مجده إفناء الإسبرطيين في ثيرموبيلاي.
كانت أسطورة ثيرموبيلاي عنصرا قويا شديد الحضور في الفترة السابقة على تحرير اليونان من الهيمنة التركية في عشرينيات القرن التاسع عشر، وكان ريتشارد جلوفر قد أثار من قبل في 1737 ضجة بقصيدته الملحمية «ليونيداس» التي روت الأحداث المحيطة بالمعركة، وقد ترجمت «ليونيداس» من الإنجليزية إلى الفرنسية والألمانية والدنماركية. وقدمت تتمة جلوفر المعنونة «الأثينيد» صورة مغايرة معبرة لوصف هيرودوت موت ليونيداس. فعلى الرغم من أن هيرودوت ذكر أن خشايارشا وضع رأس ليونيداس المقطوع على خازوق، فإن جلوفر يصور ملك إسبرطة تصويرا هادفا وقد صلب على يد عدو الحضارة هذا، ومن ثم يستحضر موت يسوع المماثل وفكرة التضحية الطوعية بالنفس. ورسم دافيد لوحته الشهيرة «ليونيداس في ثيرموبيلاي» سنة 1814. وكان بايرون متبعا سنة قديمة عندما كتب أبياته الشهيرة:
ألا يجب أن نبكي على أيام أعظم يمنا؟
ألا يجب أن نحمر خجلا؟ فآباؤنا نزفوا الدماء.
أيتها الأرض! أعيدي لنا من قلبك.
رفات قتلانا الإسبرطيين!
من الثلاثمائة لا تعطينا إلا ثلاثا.
Shafi da ba'a sani ba