عاد إلى حجرته وحيدا بكمنجته وظل يعزف معتمدا على هذا المبلغ الذي يرسله له ابن عمه من ريع أرضه، مستور الحال، لا يحتاج إلى المال فيعيش، ولكنه محتاج أن يعيش، إنه لا يعيش، لقد كانت الموسيقي هي حياته، وقد كانت حياته تلك تصد عنه في صلف وتتعالى عليه في كبرياء.
وهو يعزف.
كان يعزف الألم.
وكان يعزف الأمل.
ولم يكن لعزفه من مستمع.
شيء واحد استطاع أن يحافظ عليه، لقد استطاع دائما أن يصد اليأس بهذه الكبرياء التي تقود الفنان إلى الحياة أو إلى الموت.
كان المصير أمامه واضحا لا غموض فيه؛ إنه الحياة أو إنه الموت ولا وسط، لم يكن محتاجا للموسيقى ليقتات منها؛ فقد كان ريع أرضه يقوته. ولكنه كان محتاجا للموسيقى لتكون حياته أو تكون موته.
فهو يعزف.
في البيت الذي يقيم به أختان تقيمان في الدور العلوي. - يعجبك عزفه؟ - لو انقطع عن العزف تهون عندي الحياة. - إلى هذا الحد. - أنت لا تدركين ما يقول في عزفه. - وماذا يقول؟ - أحس ما يقول ولا أستطيع أن أقوله. - ماذا تحسين؟ - الحياة! - الحياة؟! - الحياة كلها، وأنا أستمع إليه تطيب لي الحياة.
أحس أنها جميلة وحلوة وأريد أن أعيشها وأحس أنها جديرة أن تعاش. - هل ترينه؟ - أعرف شكله. - هل تلتقين به؟ - أحب عزفه. - إذن فلا لقاء. - لو تكلم فلن يقول أكثر مما أسمعه منه. - هل تحبينه؟ - أتمنى أن أحبه. - فلماذا لا تحبينه؟ - يهيأ لي أنه ليس من أبناء الأرض الذين يحبون ويحبون. - إنه من أبناء الأرض. - اسمعي موسيقاه أولا ثم احكمي. - مهما أسمع موسيقاه إنه من أبناء الأرض.
Shafi da ba'a sani ba