Mafarkin Hankali
حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة
Nau'ikan
هل تسبب أي من السفسطائيين لك في أي أذى؟ وإلا فما سبب انتقادك لهم؟
أنيتوس :
يا إلهي، لا! لم أحتك في حياتي بأي منهم، كما لم أسمع أن أحدا من أهلي قد احتك بهم.
سقراط :
إذن ليس لك أية تجربة مع أي منهم على الإطلاق؟
أنيتوس :
ولا أريد ذلك أبدا.
لم يكن الرجل العادي في أثينا ليملك الوقت الكافي ليفرق جيدا بين أساليب المشهور سقراط وأساليب غيره من المفكرين، بل كان يسمع عن سقراط أنه داهية يجلس طوال اليوم ليناقش الشباب الذين أرادوا أن يتعلموا منه، ومن ثم كان سقراط يبدو سفسطائيا وحسب في نظر الرجل العادي. وكما رأى أفلاطون؛ فإن الاتهام الذي كان يتعين على سكان أثينا أن يوجهوه إلى السفسطائيين الفاسدين قد أضر سقراط بالخطأ مثل الرمح القاتل الذي تحدث عنه بريكليس وبروتاجوراس.
ولا ريب أن الكثير من سكان أثينا قد خلطوا بين جميع أنواع المفكرين؛ ولذلك كان يوريبيديس يعتبر أحيانا سفسطائيا لأن مسرحياته كانت حديثة الطابع بشكل مزعج (فقد قدم أحيانا العبيد كنبلاء والأبطال أدنى من أن يوصفوا بالفضيلة). وقد انتشرت شائعة أن سقراط ساعد يوريبيديس في كتابة هذه المسرحيات ربما بسبب ما شاع عن غرابة كلا الرجلين. وقد ظهر سقراط نفسه في مسرحية أرسطوفان «الغيوم» التي عرضت أول مرة في أثينا عام 423ق.م. كسفسطائي أحمق فاسق فاسد الأخلاق، كما ظهر أيضا في عدة مسرحيات هزلية ضاعت الآن ربما على القدر نفسه من البذاءة (يرد في أحد أجزائها الباقية: إنني أبغض سقراط ذاك الفقير الثرثار). وفي رواية أفلاطون لمحاكمة سقراط بعد عدة أعوام، يشير سقراط بحزن إلى الفكرة الخاطئة الشائعة لدى الناس عنه فيقول: «لقد رأيتم سقراط بأنفسكم في مسرحية أرسطوفان وهو يمشي وكأنه في دوار مدعيا أنه يمشي على الهواء ويتفوه بكثير من الهراء.» ويقول أيضا: «سأحاول في الوقت القليل المتبقي لدي أن أخلص أذهانكم من الانطباع الخاطئ الذي تكون عني على مدار أعوام عديدة.»
ولم يشغل أرسطوفان جمهوره بالفروق الدقيقة بين العلماء الأوائل والسفسطائيين، بين سقراط والمخادعين ذوي الأخلاق الفاسدة؛ إذن لأفسد الدعابات التي كانت هادفة في عيون معظم أهل أثينا. كان من يطرح أية تساؤلات علمية بخصوص الطبيعة يعتبر مخلا بتعاليم الدين الموروثة، وبهذا يخل بالقيم الأخلاقية التقليدية. وكذلك اعتبر من يتساءل عن الأخلاقيات التقليدية مخلا بتعاليم الدين الموروثة، واتهم بالحديث بكثير من الهراء حول صواعق البرق والذرات. وقد كان هذا حال المفكرين جميعا فاستحقوا ما أصابهم. ففي مسرحية «الغيوم»، احترق «مصنع المنطق» الخاص بسقراط عن آخره على يد مواطن غاضب (وهو ستربسيادس الفلاح المثقل بالديون والمذكور آنفا). وفي الحياة الواقعية وبعد أربعة وعشرين عاما، أدين سقراط وحكم عليه بالإعدام من أناس كانوا من المحتمل ضمن جمهور مسرحية «الغيوم».
Shafi da ba'a sani ba