Mafarkin Hankali
حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة
Nau'ikan
يكاد ديموقريطس ينتمي إلى عالم السفسطائيين ولكن ليس بشكل كلي، وما يفصله عنهم ليس الزمن؛ فقد كان السفسطائيون يدرسون علومهم عندما كان ديموقريطس في سنوات عمره الأولى، إنما فرقهما اختلاف المصالح المهنية والفكرية. ورغم أن أفكار ديموقريطس قد اتجهت إلى الكثير من القضايا التي تناولوها بالبحث - بل إنه تناول بالفعل بعض أفكارهم في كتاباته - فقد سلك طريقا غير طريقهم.
الفصل التاسع
وهبت رياح المتاعب: السفسطائيون
عاش «السفسطائيون» في أثينا في النصف الثاني من القرن الخامس وشغلوا مناصب سفراء ومعلمين خصوصيين ومستشاري علاقات عامة ومحاضرين وممثلي مسرح وكاتبي خطابات وفلاسفة وخطباء ليليين وأطباء نفسيين في آن واحد، أو العديد من هذه المناصب في معظم الحالات على الأقل. ولمعرفة كيف يمكن لشخص - فضلا عن طبقة من الناس - أن يجمع كل هذه الوظائف ويقوم بكل هذه الأدوار، لا بد من الابتعاد عن الخلافات الفلسفية والنظر إلى مدينة أثينا وسكانها.
بحلول منتصف القرن الخامس تحول ما كان تحالفا مفككا بين الولايات الإغريقية ضد الفرس إلى إمبراطورية مركزها مدينة أثينا، ويرجع الفضل في ذلك إلى أسطول أثينا، وهو ما جعلها إمبراطورية غنية. وكانت الولايات الأخرى الأعضاء في الحلف يدفعون لها الجزية. وقد أنفق جزء من هذه الأموال على أشياء لا تزال باقية حتى يومنا هذا بما فيها معبد البارثينون. وكان الدافع وراء تشييد معظم هذه الصروح هو تشجيع بريكليس حاكم أثينا الذي جاء ذكره بالفعل ضمن رفاق أناكساجوراس من المفكرين حيث قال: «ما أعظم تلك المعالم والتماثيل التي تركناها في إمبراطوريتنا! سيتعجب اللاحقون من صنيعنا كما يتعجب أبناء هذا الجيل منه.» هذا ما أصاب بريكليس في توقعه في خطابه الذي ألقاه في ذكرى المحاربين الأبطال في المدينة.
وفي الخطاب نفسه أثنى بريكليس على الحياة في أثينا التي فسرت - بجانب ثراء المدينة - ظهور السفسطائيين قائلا:
إن دستورنا يوصف بالديمقراطي لأن السلطة ليست في يد أقلية وإنما في يد الناس جميعا. وعندما يتعلق الأمر بتسوية النزاعات الخاصة فالكل أمام القانون سواء، وعندما يتعلق الأمر بتفضيل شخص على آخر في المناصب العامة فلا يهم الانتماء إلى طبقة معينة بل قدرات الفرد نفسه.
وكانت أهم تلك القدرات على الإطلاق هي القدرة على الكلام ومجادلة النخب السياسية أو هيئات المحلفين وإقناعها. وتكمن قوة بريكليس بشكل كبير في قدرته على التأثير في المجموعة التي أمامه وضمها إلى صفه. ويستمر في كيل المديح والإشادة قائلا:
إننا أهل أثينا نبني قراراتنا على أساس وتخطيط أو نخضعها للمناقشة؛ لأننا لا نؤمن بعدم التوافق بين الأقوال والأفعال، فما أسوأ الاندفاع إلى عمل شيء قبل مناقشة عواقبه بشكل سليم!
لقد أحب أهل أثينا الحجج القوية، بل وأحبوا الرديئة منها أيضا إذا كان الجدال مسليا. كما اشتهروا أيضا بالمشاكسة، وأحيانا كانوا يجعلون من أنفسهم مادة للمزاح للغرض نفسه . وفي مسرحية هزلية لأرسطوفان يقود أحد التلاميذ فلاحا يدعى ستربسيادس داخل مدرسته ويريه التجهيزات العلمية فيها ويدور الحوار كما يلي:
Shafi da ba'a sani ba