18

Mafarkin Hankali

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Nau'ikan

وقد يساعدنا انتشار المناظرات التنافسية العلنية على تفسير نشأة المذهب الطبيعي ومن ثم الفلسفة في بلاد اليونان؛ فقد اشتهر مواطنو المدن الإغريقية بحب الجدل، ويبدو أن الإغريق قد اعتبروا البرهان والنقد أكثر استخدامات الحديث نبلا. وقد كتب أرسطو قائلا: «إن المراد من قوة الحديث توضيح الملائم وغير الملائم ومن ثم العادل والظالم.» فلا عجب إذن أن تتحول أدوات الجدل في بعض المدن على الأقل إلى دراسة الطبيعة. وجدير بالذكر أيضا أنه عندما كان الفلاسفة الأوائل يلقون الخطب ويحتجون على أي شيء كان ذلك على مرأى ومسمع من جمهور تزداد ثقافته يوما بعد يوم. نشأت الكتابة الأبجدية أولا في اليونان في القرن الثامن قبل الميلاد، وأخذت في الانتشار بحلول القرن السادس قبل الميلاد؛ مما أتاح تدوين كل ما يمكن قوله بسهولة ويسر، وهو شيء جديد يصعب علينا أن نقدره حق تقديره. وببلورة المعتقدات والأساطير والنظريات والروايات من كل نوع؛ أصبحت هذه المعتقدات والأساطير والنظريات والروايات متاحة للتمحيص والتدقيق والنقد بطريقة لم يفكر فيها أحد من قبل في الثقافات التي اعتمدت على رواية القصص قبل اختراع الكتابة. ورغم كل عيوبهم يبدو أن الملطيين هم أول من حاول استغلال تلك الفرصة.

الفصل الثاني

تناغم العالم: الفيثاغوريون

كانت الروايات حول فيثاغورس تطارده وتلتصق به كما تلتصق برادة الحديد بالمغناطيس؛ فقد قيل على سبيل المثال إنه ظهر في أماكن عدة في وقت واحد، وإن روحه قد تناسخت عدة مرات. وإذا أخذنا هذا الكلام على محمله يمكننا ضمه إلى المجموعة الغفيرة نفسها من الروايات التي تشمل الادعاء بأنه كان يمتلك فخذا ذهبية، ولكن إذا فكرنا في هذا الكلام بشكل رمزي فهو تقليل من شأن الرجل؛ فقد كان فيثاغورس - أو على الأقل المذهب الفيثاغوري - موجودا في كل مكان ولا يزال.

ولا يوجد طالب على وجه الأرض لم يسمع بهذا الاسم مرتين على الأقل في الهندسة (حيث تنسب إليه النظرية الشهيرة حول أطوال أضلاع المثلثات قائمة الزاوية) وكذلك في مسرحية شكسبير «الليلة الثانية عشرة»:

المهرج :

ماذا يقول فيثاغورس عن الطيور الجارحة؟

مالفوليو :

يقول إن روح المرأة العجوز قد تسكن جسد طائر.

المهرج :

Shafi da ba'a sani ba