Hikmat Gharb (Sashi na Farko)
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Nau'ikan
أما الرياضي العظيم الآخر في القرن الثالث فكان أبولونيوس
Apollonius
السكندري، الذي اخترع نظرية القطاعات المخروطية، وهنا أيضا نجد مثالا آخر للتخلي عن الفروض الخاصة؛ إذ إن كل الأشكال المنحنية التي ترسم بين خطين مستقيمين تبدو في ظل هذه النظرية على أنها حالات خاصة لشيء واحد ؛ هو القطع المخروطي.
أما بالنسبة إلى الميادين الأخرى، فإن أعظم نجاح أحرزه اليونانيون كان على الأرجح في ميدان الفلك. وقد تحدثنا من قبل عن بعض هذه الإنجازات عند مناقشتنا لفلاسفة متعددين، على أن أعظم وأعجب إنجاز تحقق في هذه الفترة هو كشف نظرية مركزية الشمس؛ إذ يبدو أن أرسطارخوس الساموسي، وهو معاصر لإقليدس وأبولونيوس، كان أول من عرض هذا الرأي عرضا كاملا مفصلا، وإن كان من الجائز أنه كان معترفا به في الأكاديمية قرب نهاية القرن الرابع. وعلى أية حال فإن شهادة أرشميدس الموثوق بها تقول إن أرسطارخوس كان يعتنق هذه النظرية بالفعل، كما نجد إشارات إليها عند بلوتارك، وجوهر هذه النظرية هو القول إن الأرض والكواكب تدور حول الشمس التي تظل ثابتة هي والنجوم، وإن الأرض تدور حول محورها مع سيرها في مدارها، وكان هراكليدس
Heraclides ، وهو أكاديمي ينتمي إلى القرن الرابع، قد عرف أن الأرض تدور حول محورها مرة في اليوم، على حين أن بيضاوية المدار كانت كشفا ينتمي إلى القرن الخامس، وعلى ذلك فلم تكن نظرية أرسطارخوس ابتكارا خالصا، ومع ذلك فقد كانت هناك خصومة، بل عداوة تجاه هذا الخروج الجريء عن النظرة السائدة لدى الإنسان العادي في ذلك الحين، ولا بد أن نعترف بأن خصومها كانوا يشتملون حتى على بعض الفلاسفة؛ وذلك على الأرجح لأسباب أخلاقية في المحل الأول؛ ذلك لأن إزاحة الأرض عن مركز العالم لا بد أن تؤدي إلى هدم المعايير الأخلاقية. وقد ذهب الفيلسوف كليانثس
CleaNthes
إلى حد مطالبة اليونانيين بإدانة أرسطارخوس بتهمة الضلال، وهكذا فإن الآراء غير المألوفة عن الشمس والقمر والنجوم تكون لها في بعض الأحيان نفس خطورة الآراء الرافضة في السياسة. ويبدو أن أرسطارخوس أصبح بعد هذه الأزمة يعبر عن آرائه بقدر أكبر من التحفظ، وقد أدى الرأي القائل بأن الأرض تتحرك إلى إثارة المشاعر الدينية في مناسبة أخرى مشهورة، عندما اعتنق جاليليو نظرية كبرنيكوس. وينبغي أن نلاحظ أن كبرنيكوس قد اقتصر على إحياء أو إعادة اكتشاف نظرية الفلكي اليوناني الذي عاش في ساموس. وهناك ملاحظة هامشية تحمل اسم أرسطارخوس في أحد مخطوطات كبرنيكوس، تشهد على هذه الحقيقة على نحو قاطع. أما عن قياس الحجم والأبعاد النسبية في داخل النظام الشمسي، فإن النتائج لم تصل كلها إلى نفس القدر من النجاح؛ فأفضل تقدير للمسافة بين الأرض والشمس كان يبلغ حوالي نصف المسافة الحقيقية. أما بعد القمر فقد تم حسابه بقدر معقول من الدقة، وتم التوصل إلى قطر الأرض في حدود 16 في المائة من الرقم الصحيح، وقد تحقق هذا الإنجاز على يد إراتوسثنيس
Eratosthenes
الذي كان أمينا لمكتبة الإسكندرية، وكان ملاحظا علميا بارعا، فلكي يقيس محيط الأرض، اختار نقطتين للملاحظة تقعان تقريبا على خط طول واحد، وكانت إحدى النقطتين هي «سيني
Syene » على مدار السرطان، الذي تكون الشمس عنده في قمتها وقت الظهيرة، وقد لاحظ ذلك عن طريق انعكاس الشمس في بئر عميقة، وعلى مبعدة أربعمائة ميل إلى الشمال في الإسكندرية، كان كل ما يلزم هو تحديد زاوية الشمس، وهو أمر يسهل القيام به عن طريق قياس أقصر ظل لأحد الأبراج. ومن هذه المعلومة يمكن بسهولة الاستدلال على محيط الأرض وقطرها.
Shafi da ba'a sani ba