Hikmat Gharb (Sashi na Farko)
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Nau'ikan
أما تفاصيل النظريات العلمية عند أرسطو، فلا ينبغي أن تشغلنا ها هنا؛ فعلى الرغم من أنه قام ببعض الأعمال الجيدة، ولا سيما في البيولوجيا، فإن سجله يتعرض للتشويه بفعل آراء مسرفة ما كان ليقبلها أي فيلسوف من السابقين لسقراط.
لقد رأينا من قبل أن من الممكن ومن المشروع البحث عن العلل الغائية في ميدان الأخلاق؛ لأن هذا هو الميدان الذي تستمد منه الغائية في المحل الأول؛ ذلك لأن الخير عند أرسطو هو ما تسعى إليه الأشياء جميعا، ولما كان يرفض نظرية المثل فلن نجده عنده بالطبع مثالا للخير. ويشير أرسطو إلى أن لكلمة «الخير» استخدامات عديدة متباينة لا يمكن الجمع بينها في فئة واحدة، ومع ذلك فإن الخير في كافة مظاهره مستمد آخر الأمر من خيرية الله. وعلى ذلك فإن اختلافه وبعده عن نظرية المثل ليس بالقدر الذي يبدو عليه للوهلة الأولى، والواقع أننا نصادف هذا النوع من التأرجح في كافة جوانب فلسفة أرسطو؛ فهو من جهة ينفصل عن الأكاديمية، ومن جهة أخرى يبدو راجعا إليها. وفي بعض الحالات التي نتحدث عنها الآن يكون من الممكن التمييز بين الجانبين وبحث الجانب الأول بحثا مستقلا. والواقع أن التحليل الذي يقدمه لاستخدامات لفظ «الخير» يزودنا ببعض التمييزات القيمة التي قد يغفلها المرء أحيانا، وهذه مسألة هامة، ولكنها لا توصلنا إلى الكثير، وإن كان بعض المحللين اللغويين المحدثين قد يقولون إنه لا يتبقى شيء ينبغي عمله بعد هذه النقطة، ولكنهم ربما كانوا في ذلك متعجلين، إذ إنهم لا يعملون حسابا لذلك الانتشار الشعبي الواسع الذي تحظى به بعض ضروب اللغو. وعلى أية حال فإن الحقيقة ليست مسألة قرار يؤخذ بالأغلبية.
أما عن الموقع الميتافيزيقي لفكرة الله، فإن هذه في نظر أرسطو مسألة لا شخصية تماما؛ فالله هو المحرك غير المتحرك الذي يعطي للعالم الدفعة المحركة الأولى. وبعد أن يقوم بهذا العمل، لا يعود لديه اهتمام إيجابي بالعالم، وهو قطعا لا يراقب انفعال البشر. إن إلهه إله فلسفي لا لون له، وما هو إلا ملحق من ملاحق نظريته في السببية.
ولكي نلم بجوهر النظرية الأخلاقية عند أرسطو ينبغي أن نقول شيئا عن نظرية النفس عنده؛ فهو يستعير من أفلاطون التقسيم الثلاثي للنفس، فيتحدث عن النفس العادية أو النامية، وعن النفس الحاسة، والنفس العاقلة، وأولى هذه النفوس تنتمي إلى جميع الكائنات الحية؛ لأن لديها كلها تمثيلا غذائيا. أما الحساسية فتنتمي إلى الحيوانات والبشر، لا إلى النبات، على حين أن العقل وقف على الجنس البشري. ولا تظهر الأخلاق إلا على المستوى العاقل؛ فالنباتات تتغذى وتنمو فحسب، والحيوانات تكتفي بأن تعيش كالحيوانات، والنفس التي تضفي على الجسم وحدة هي صورة لمادتها، وهي لا تظل باقية بعد الموت بمعنى شخصي، وإن كان العقل بما هو كذلك خالد.
وتنشأ المشكلة الأخلاقية عندما نسأل عن غاية الحياة البشرية، وهنا يرى أرسطو أن الغاية هي سعادة النفس العاقلة، وهذه بدورها تعني عنده حياة عقلية نشطة تزينها الفضيلة، ويمارسها المرء بلا انقطاع، وهكذا فإن الفضيلة تبعا لنظرية أرسطو هي وسيلة لغاية. أما هذه الغاية فإنها بالطبع لا تتحقق بنفس المقدار لكل شخص، غير أنها مع ذلك هي أسمى هدف يمكن أن يبلغه الإنسان؛ فحياة التأمل النظري هي الأفضل تماما كما كانت عند سقراط.
ومن المهم أن ندرك أن هذا لا يعني بالنسبة إلى اليوناني الذي كان يعيش في عمر أرسطو اعتزال الحياة والانصراف عن شئونها.
فالحياة الأخلاقية تتطلب أولا نشاطا وفاعلية، وإن كانت هذه ينبغي أن تكون نزيهة، وهكذا فإن حياة التأمل النظري ليست هي السبب الذي أدى إلى التخلي عن المنهج التجريبي، على الرغم من أن أرسطو يؤكد أهمية التأمل النظري لحقيقة أدركت من قبل، أكثر مما يؤكد أهمية الكشف الجديد. ويؤدي هذا إلى صعوبة لم ينتبه إليها أرسطو؛ إذ إن المرء لكي يكون لديه شيء يختبره أو يقدره، لا بد أن يقوم بجهد عقلي أولي؛ فمن الذي يحدد إن كان قد أنفق من هذا الجهد قدرا كافيا؟ الواقع أن البحث العلمي لا يمكن أن يحدد على هذا النحو، وثانيا فإن المواطن الصالح لا بد أن يؤدي واجباته الإجماعية، ويقوم بخدمات متعددة في السلم والحرب. أما تصور الفلسفة في برج عاجي، فيرجع إلى الرواقيين، الذين كان انصرافهم عن عالم الحس هو الذي أدى إلى ذبول الحركة العلمية.
وفيما يتعلق بالفضائل الأخلاقية، أو فضائل الشخصية، يقدم أرسطو نظرية الفضيلة بوصفها وسطا؛ ففي كل حالة يمكن أن يكون هناك إفراط أو تفريط، وكلاهما لا يشكل أساسا للسلوك القويم، وإنما تكمن الفضيلة في موقع ما بين هذين الطرفين. مثال ذلك أن الشجاعة الحقة ليست هي العدوانية المتهورة، ولا الانسحاب الهياب.
وقد كانت نظرية الوسط مستوحاة من نظرية التناغم التي ترجع إلى فيثاغورس وهرقليطس. وينتقل أرسطو إلى تقديم صورة للإنسان الذي يملك كل الفضائل، أي الإنسان ذي النفس الكبيرة. وهذه الصورة تعطينا فكرة معقولة عن الأشياء التي كان يشيع الإعجاب بها في سلوك المواطنين في ذلك العصر. ونتيجة هذه الصورة باختصار تفرض نفسها علينا فرضا، وإن كان غياب التواضع الكاذب منها أمرا يدعو إلى الارتياح؛ فعلى المرء ألا يبالغ في تقدير قيمته، ولكن عليه أيضا ألا يحط من قدر نفسه، ولكن الإنسان الكريم النفس لا بد أن يكون في النهاية نوعا نادرا بحق؛ لأن معظم الناس لا تتوافر لهم أبدا فرص ممارسة كل هذه الفضائل. ويركز أرسطو جهده كما فعل سقراط وأفلاطون على الصفوة الأخلاقية.
على أن نظرية الوسط لا تنجح كل النجاح، فكيف نعرف الصدق مثلا؟ إننا نعترف بأنه فضيلة، ولكنا لا نستطيع القول إنه يحتل موقعا وسطا بين الكذب السافر والكذب المحدود، وإن كان المرء قد يعتقد أن هذا الرأي ليس مكروها في بعض الأوساط. وعلى أية حال فإن مثل هذه التعريفات لا تنطبق على الفضائل العقلية.
Shafi da ba'a sani ba