Hikmat Gharb (Sashi na Farko)
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Nau'ikan
أما الربط بين هذه النظرية وبين نظرية الأجسام الجامدة المنتظمة، فربما كان أثرا من آثار الصوفية الفيثاغورية. فليس هناك وفقا لهذا التخطيط مكان للشكل الاثني عشري؛ إذ إن هذا وحده من بين الأشكال الخمسة للأجسام له أوجه لا تتألف من المثلثين الأوليين، وإنما من أشكال ثمانية منتظمة، وينبغي أن نذكر أن الشكل الثماني كان من الرموز الصوفية للفيثاغوريين، ويحتاج تكوينه إلى العدد الأصم الذي تحدثنا عنه عندما عرضنا للفيثاغوريين المتأخرين، وفضلا عن ذلك فإن الشكل الاثني عشري يبدو أقرب إلى الاستدارة من أي من الأشكال الأربعة الأخرى، لذلك يجعله أفلاطون معبرا عن العالم. غير أن هذا الخيال التأملي لا يؤثر في صحة النموذج الرياضي أو عدم صحته.
إن المقام لا يتسع هنا لمعالجة النظرية الرياضية عند أفلاطون معالجة كاملة. وعلى أية حال فإن من الضروري تجميع هذه النظرية من لمحات بسيطة في المحاورات، ومن بعض عبارات أرسطو. غير أن من المهم مع ذلك أن نلاحظ أمرين؛ الأول: هو أن أفلاطون، أو الأكاديمية على أية حال، قد أعاد النظر في نظرية العدد الفيثاغورية كيما يتخلص من انتقادات الإيليين لها. وهنا يستبق أفلاطون أيضا رأيا حديثا كل الحداثة، فهو يرى أن بداية السلسلة الرقمية هي الصفر بدلا من الواحد، مما يتيح له وضع نظرية عامة للأعداد الصماء، التي لا ينبغي أن تعد بعد ذلك صماء إذا كنا نلتزم الدقة العلمية الصارمة. وبالمثل أصبح في الهندسة ينظر إلى الخط المستقيم على أنه ينشأ من حركة نقطة، وهو رأي يلعب دورا أساسيا في نظرية المعادلات المتغيرة عند نيوتن، التي كانت من الصور الأولى لما أصبح يعرف بعد ذلك باسم حساب التفاضل. وإنا لنرى بوضوح كيف يسهم هذان التطوران في توحيد الحساب والهندسة في إطار روح الديالكتيك.
أما النقطة الهامة الثانية فهي عبارة لأرسطو ذكر فيها أن أفلاطون قال إن الأعداد لا يمكن أن تجمع. هذه العبارة الموجزة تنطوي في الواقع على بذرة رأي حديث إلى أبعد حد في العدد؛ ذلك لأن أفلاطون اقتفى أثر الفيثاغوريين في النظر إلى الأعداد على أنها صور.
ومن الواضح أن الصور لا يمكن أن تجمع سويا؛ لأن ما يحدث عندما نقوم بعمليات جمع هو أننا نضم أشياء من نوع واحد، ولتكن مثلا حصى، أما الشيء الذي يتحدث عنه الرياضيون فهو مختلف عن الحصى، مثلما هو مختلف عن الصور. إنه على نحو ما شيء وسط بين الاثنين، فما يجمعه الرياضيون هو أشياء من نوع غير محدد، أي من أي نوع، بشرط أن يكون النوع واحدا في الجانب المطلوب بالنسبة إلى كل الأشياء التي يتم جمعها، وهذا كله يقترب كل الاقتراب من تعريف العدد الذي قدمه الرياضي الألماني فريجة
Frege ، وفيما بعد قدمه وايتهد
Whitehead
وكاتب هذه السطور.
فالعدد ثلاثة مثلا هو فئة كل الأشياء الثلاثية، والثلاثي هو فئة الأشياء من نوع محدد. وهذا ينطبق على أي عدد أصلي آخر، فالعدد اثنان هو فئة الأشياء الزوجية، والزوج فئة لأشياء. وفي استطاعتك أن تجمع ثلاثيا وزوجا من نوع واحد، ولكنك لا تستطيع أن تجمع العدد ثلاثة والعدد اثنين.
وهذا يؤدي بنا إلى نهاية العرض الموجز الذي قدمناه لأهم نظريات أفلاطون. والواقع أن قليلا من الفلاسفة هم الذين بلغوا ما بلغه من اتساع مدى الفكر وعمقه، إن كان أحد قد ناظره على الإطلاق، ولكن أحدا من الفلاسفة لم يتجاوزه، ولا شك أن أي شخص يود الاشتغال بالبحث الفلسفي يكون قد ارتكب خطأ جسيما لو تجاهله.
أما أرسطو وهو ثالث ثلاثة من المفكرين العظام عاشوا في أثينا، وقدموا تعاليمهم فيها، فقد كان على الأرجح أول الفلاسفة المحترفين، وعلى يد أرسطو نجد الفترة الكلاسيكية في الفلسفة قد اجتازت خط الذروة، أما من الناحية السياسية، فقد أخذت أثينا تصبح أقل أهمية، بعد أن وضع الإسكندر المقدوني، الذي كان في صباه تلميذا لأرسطو أسس إمبراطورية بدأ العالم الهلينستي يزدهر في ظلها، ولكنا سنفصل الكلام في هذا الموضوع فيما بعد.
Shafi da ba'a sani ba