Hikmat Gharb (Sashi na Farko)
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Nau'ikan
وعلى هذا النحو نستطيع أن نفسر تلك التقلبات الهائلة التي طرأت على حياة رسل وأفكاره؛ فقد كان كل شيء في حياته الأولى يؤهله لأن يكون سياسيا مرموقا يتولى مناصب تنفيذية هامة في بلاده ؛ إذ كان ينتمي إلى واحدة من أعرق الأسر البريطانية يحمل الكبار فيها لقب «إيرل»، وكان جده رئيسا للوزراء في الثلث الأول من القرن، كما كان يقصد بيته عدد من المشاهير، على رأسهم جون استورت مل، الذي كان صديقا حميما لوالديه، ولكن ربما كان الشيء الوحيد الذي تأثر به رسل من بيئته المنزلية، إلى جانب إعجابه العقلي بمل، هو تلك النزعة التحررية الجريئة، التي تكاد تقترب من الفوضوية، والتي كان يتصف بها أبوه. وقد تلقى رسل تعليما خاصا راقيا، ثم التحق بكلية ترينيتي في جامعة كيمبردج، وأحرز فيها تفوقا ملحوظا في الرياضيات وفي العلوم الإنسانية. وكان أول كتاب له، بعد أن عمل فترة في السلك الدبلوماسي في ألمانيا، عن «الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا» (عام 1896م). ومنذ ذلك الوقت المبكر اطلع رسل على الأعمال الرائدة في المنطق الرمزي عند العالم الإيطالي «بيانو
» والعالم الألماني «فريجه
Frege »، ثم ألف وهو في الثامنة والعشرين (عام 1950م) كتابا عن ليبنتس يعد من أهم ما كتب عن هذا الفيلسوف.
وقد بدأت حياة رسل الفلسفية بفترة كان فيها متأثرا بالمذهب المثالي، الذي كان مزدهرا في إنجلترا بفضل أعمال الفيلسوفين برادلي وماكتجارت، ولكن هذه الفترة لم تطل، وسرعان ما تخلى رسل عن المثالية، وعادت الفلسفة الإنجليزية كلها معه إلى التراث التجريبي المميز لها، وكان أهم عوامل تحوله هو تأثره باتجاه ج. أ. مور، أبو الواقعية الإنجليزية وعدو المثالية اللدود.
وكانت أهم المراحل الفلسفية في حياة رسل هي الفترة الواقعة بين بداية القرن العشرين وعام 1916م، التي كان اهتمامه الأكبر فيها منصبا على بحث الأسس المنطقية للرياضيات، وإلى هذه الفترة ينتمي كتابه الأكبر، الذي اشترك فيه مع «وايتهد
A. N. Whitehead »، وهو كتاب «المبادئ الرياضية
» (1910-1913م). وبفضل هذا الكتاب أصبح رسل واحدا من أبرز الشخصيات الفلسفية في القرن العشرين، بل لقد وصفه البعض بأنه أهم المناطقة منذ أرسطو.
وفي هذه الفترة نمت صداقة قوية بينه وبين لود فيج فتجنشتين
L. Wittgenstein
الذي كان في البداية تلميذا لرسل، ثم أصبح زميلا وصديقا له ، بل إن رسل قد اعترف في المقدمة التي كتبها لمؤلف فتجنشتين: «دراسة منطقية فلسفية» أن هذا الأخير رغم كونه تلميذه، قد أفاده وأثر في تفكيره بقوة. ولما كان فتجنشتين واحدا من أهم رواد الفلسفة التحليلية، ومؤسسا للوضعية المنطقية، فإن من السهل أن يدرك المرء التأثير القوي الذي مارسه رسل في هذه الاتجاهات المميزة لفلسفة القرن العشرين في العالم الأنجلوسكسوني، وفي بعض المدارس الألمانية والبولندية والإيطالية.
Shafi da ba'a sani ba