Hikmat Gharb (Sashi na Farko)
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Nau'ikan
على أن المنطق الرياضي، في جانبه الصوري البحت، لم يعد من اهتمامات الفلاسفة من حيث هم فلاسفة، وإنما أصبح يعالجه الرياضيون، وإن كان بالطبع يمثل رياضيات من نوع خاص جدا. والأمر الذي يهم الفلاسفة هو المشكلات التي تنشأ من المسلمات العامة المتعلقة بالرمزية، تلك المسلمات التي يأخذ بها المرء قبل الشروع في بناء النسق. وبالمثل فإنه يهتم بالنتائج التي تنطوي على مفارقة والتي يتم التوصل إليها أحيانا عند بناء نسق رمزي.
6
وقد نشأت إحدى هذه المفارقات فيما يتعلق بتعريف العدد في كتاب «المبادئ الرياضية»، وكان سببها هو مفهوم «فتة جميع الفئات»؛ إذ إن من الواضح أن فئة جميع الفئات هي ذاتها فئة، ومن ثم فهي تنتمي إلى فئة جميع الفئات، وعلى ذلك فهي تشتمل على نفسها بوصفها أحد أفرادها. وبالطبع فإن هناك فئات أخرى كثيرة لا تتصف بهذه الصفة. ففئة كل المقترعين في الانتخابات لا تتمتع هي ذاتها بمزايا الاقتراع العام. وهنا تنشأ المفارقة عندما نبحث في فئة جميع الفئات التي لا تكون أفرادا لذاتها.
والمسألة هي ما إذا كانت هذه الفئة أحد أفراد ذاتها أم لا. فإذا افترضنا أنها كذلك، عندئذ لا تكون أحد أمثلة فئة لا تشتمل على ذاتها، ولكنها لكي تكون أحد أفراد فئتها، لا بد أن تكون من النوع الذي بحث أولا، أي ليست أحد أفراد فئتها. أما إذا افترضنا، بعكس ذلك، أن الفئة موضوع البحث ليست أحد أفراد ذاتها، فعندئذ لا تكون مثالا لفئة لا تتضمن ذاتها. غير أنها لكي لا تكون عضوا في فئتها، لا بد أن تكون إحدى الفئات في تلك التي طرح السؤال الأصلي حولها، ومن ثم فهي أحد أفراد ذاتها. وهكذا نصل إلى تناقض في كل حالة.
على أن من الممكن التخلص من هذه الصعوبات إذا لاحظنا أن من الواجب ألا ننظر إلى الفئات بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى فئات الفئات، مثلما نمتنع في الظروف العادية عن التحدث عن أفراد البشر على نفس مستوى الأمم.
عندئذ يصبح من الواضح أنه ليس من حقنا التحدث عن الفئات التي هي أعضاء في ذاتها بالطريقة التي تحدثنا بها عنها عندما طرحنا المفارقة. والواقع أن الصعوبات المتعلقة بالمفارقات قد عولجت على أنحاء شتى، ولم يتم بعد التوصل إلى اتفاق عام حول الطريقة التي ينبغي بها التخلص منها. ولكن هذه المشكلة على أية حال، قد نبهت الفلاسفة مرة أخرى إلى الحاجة الشديدة إلى التدقيق في طريقة تركيب الجمل، وفي الألفاظ المستخدمة فيها.
الفصل الخامس
الفترة المعاصرة
هناك صعوبات خاصة تواجهنا حين نعالج فلسفة الأعوام السبعين أو الثمانين الأخيرة. ذلك لأننا ما زلنا قريبين من هذه التطورات إلى حد يصعب علينا معه أن ننظر إليها من بعد، وبالتجرد المطلوب. فالمفكرون الأقدم عهدا قد صمدوا لاختبار التقويم النقدي الذي تقوم به الأجيال التالية لهم، وبمضي الزمن تحدث عملية انتقاء تدريجي تساعد على تيسير مهمة الاختيار. ولم يحدث إلا في حالات نادرة جدا أن استطاع مفكر ثانوي أن يحرز في المدى الطويل قدرا من الشهرة لا تبرره أعماله، وإن كان يحدث بالفعل أن يلحق الظلم بأشخاص لهم أهميتهم، فيغيبون في زوايا النسيان.
أما في حالة المفكرين المنتمين إلى الفترة القريبة، فإن مسألة الاختيار تزداد صعوبة، كما تقل فرص الوصول إلى نظرة متوازنة. وعلى حين يكون من الممكن بالنسبة إلى الماضي، تأمل مراحل التطور في مجملها، فإن الحاضر أقرب إلينا من أن يتيح لنا التمييز بين مختلف عناصر القصة بنفس القدر من الثقة واليقين. والواقع أن الأمر لا يمكن أن يكون على خلاف ذلك. فمن السهل نسبيا أن يكون المرء حكيما بأثر رجعي، وأن يصل إلى فهم تطور التراث الفلسفي. أما لو تخيلنا أن من الممكن استنباط دلالة التغيرات المعاصرة بكل تفاصيلها النوعية المميزة، لكان ذلك وهما هيجليا. وأقصى ما يمكننا أن نأمل فيه هو أن ندرك بعض الاتجاهات العامة التي يمكن ربطها بأحداث أسبق عهدا.
Shafi da ba'a sani ba