Hikmat Gharb (Sashi na Farko)

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
205

Hikmat Gharb (Sashi na Farko)

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Nau'ikan

ويسير بنتام، في نقده الإجماعي ، في نفس الخط الذي سار عليه الفلاسفة الماديون في القرن الثامن عشر، وهو يستبق كثيرا من الأفكار التي سيقول بها ماركس فيما بعد. فهو يرى أن أخلاق التضحية السائدة إنما هي خدعة متعمدة فرضتها الطبقة الحاكمة دفاعا عن مصالحها. فهي تتوقع التضحيات من الآخرين. ولكنها لا تقوم بنفسها بأية تضحية. وفي مقابل هذا كله وضع بنتام مبدأه النفعي.

وعلى حين أن بنتام قد ظل هو الزعيم الفعلي للراديكاليين خلال حمايته، فإن القوة الدافعة من وراء الحركة كان جيمس مل

James Mill (1773-1836م). ولقد كان جيمس مل يشارك بنتام آراءه النفعية في الأخلاق ويزدري الرومانتيكيين. وفي الميدان السياسي اعتقد أن من الممكن إقناع الناس بالحجة والبرهان، بحيث يقومون بتقديرات عقلية للأمور قبل اتخاذ خطوة عملية فيها. وكان يتمشى مع هذا اعتقاد مبالغ فيه بأهمية التعليم. وكان ضحية هذه الاعتقادات المسبقة هو ابن جيمس مل، جون استوارت مل (1806-1873م)، الذي طبقت عليه نظريات أبيه التعليمية بلا رحمة. فقد شكا في مرحلة متأخرة من حياته قائلا: «لم أكن طفلا أبدا، ولم ألعب الكريكت في حياتي.» وبدلا من ذلك، درس اليونانية وهو في الثالثة، وأعقبتها كل الموضوعات التعليمية الأخرى قبل الأوان. وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه التجربة المخيفة إلى إصابته بانهيار عصبي قبل أن يبلغ الحادية والعشرين مباشرة. وقد أبدى مل فيما بعد اهتماما إيجابيا بحركة الإصلاح البرلماني خلال الثلاثينيات، ولكنه لم يكترث بتقلد مرتبة الزعامة التي كان يشغلها أبوه وبنتام من قبله. وقد انتخب في الفترة الواقعة بين عامي 1865م و1868م عضوا في مجلس العموم عن دائرة وستمنستر، وظل يدعو إلى حق الاقتراع العام، ويسير في اتجاه كان يتصف في عمومه بالليبرالية والعداء للاستعمار، على طريقة بنتام.

ولقد كان جون استوارت مل في فلسفته مدينا لغيره بكل شيء تقريبا. وكان الكتاب الذي أذاع شهرته أكثر من أي شيء آخر هو كتاب «نسق في المنطق

System of Logic » (1843م). وكان الشيء الجديد في الكتاب، بالنسبة إلى عصره، هو معالجته للاستقراء، الذي يقوم في رأيه على مجموعة من القواعد تذكرنا إلى حد بعيد بقواعد الارتباط السببي عند هيوم. ولقد كان من المشكلات الدائمة التي يواجهها المنطق الاستقرائي، إيجاد تبرير للبرهان الاستقرائي. وكان رأي مل هو أن ما يعطي مبررا للسير على هذا النحو هو الاطراد الملاحظ في الطبيعة، الذي هو ذاته استقراء على أعلى مستوى. وبالطبع فإن هذا يجعل الحجة كلها حلقة مفرغة، وإن كان يبدو أنه لم يكترث بهذا الأمر. غير أن هذا الوضع ينطوي على مشكلة أعم بكثير، ما زالت تؤرق المناطقة حتى يومنا هذا. هذه الصعوبة يمكن التعبير عنها، بصورة عامة، بالقول إن الناس لا يرون الاستقراء، على أية حال، محترما بالقدر الذي ينبغي أن يكون عليه، وعلى ذلك فلا بد من إيجاد تبرير له. ولكن هذا يؤدي إلى مأزق لا مخرج منه، وإن لم يكن يشيع الاعتراف به دائما. ذلك لأن التبرير مسألة تنتمي إلى المنطق الاستنباطي. فلا يمكن أن يكون هو ذاته استقرائيا إن كان الاستقراء هو ما يجب تبريره. أما الاستنباط نفسه فلا أحد يشعر بأنه مضطر إلى تبريره، لأنه كان محترما منذ أقدم العصور. وربما كان المخرج الوحيد هو أن نترك الاستقراء مختلفا كما هو ، دون أن نحاول ربطه بالحجج الاستنباطية التبريرية.

أما العرض الذي قدمه مل للأخلاق النفعية فهو متضمن في دراسة بعنوان «مذهب المنفعة» (1863م)، وهي دراسة لا تتجاوز بنتام بكثير. ولقد كان مل، مثل أبيقور، الذي يمكن أن يعد أول القائلين بمذهب المنفعة، على استعداد لأن يقول في النهاية إن بعض اللذات أعلى من بعضها الآخر. ولكنه لا ينجح نجاحا حقيقيا في إيضاح المقصود باللذات الأفضل من حيث الكيف (أو النوع)، في مقابل الاختلافات الكمية البحتة. وهذا أمر لا يدعو إلى الدهشة، ما دام مبدأ أعظم قدر من السعادة، وحساب اللذات الذي يقترن به، يزيل الكيف لصالح الكم.

وحين حاول مل تقديم برهان يثبت المبدأ النفعي القائل إن اللذة هي ما يسعى إليه الناس بالفعل، ارتكب خطأ فادحا. «إن الدليل الوحيد الذي يمكن تقديمه على أن شيئا ما قابل للرؤية

Visible ، هو أن الناس يرونه بالفعل . والدليل الوحيد على أن الصوت قابل لأن يسمع

audible ، هو أن الناس يسمعونه، ومثل هذا يقال عن المصادر الأخرى لتجربتنا. وبالمثل أعتقد أن الدليل الوحيد الذي يمكن الإتيان به لإثبات أن شيئا ما مرغوب فيه

desirable ، هو أن الناس يرغبون فيه بالفعل.» ولكن هذه مغالطة مبنية على تشابه لفظي يحجب اختلافا منطقيا. فالمرء يقول عن الشيء إنه قابل للرؤية إن كان من الممكن رؤيته. أما في حالة «مرغوب فيه» فهناك التباس في المعنى. فإن قلت عن شيء إنه مرغوب فيه، قد يكون كل ما أعنيه هو أنني أرغب فيه بالفعل. وحين أتحدث على هذا النحو إلى شخص آخر أفرض بالطبع أن ما يحبه وما لا يحبه يشبهان، على وجه الإجمال، ما أحبه أنا وما لا أحبه. فإن قلنا بهذا المعنى إن المرغوب فيه ترغب فيه بالفعل، لكان ذلك كلاما لا يساوي شيئا. غير أن هناك معنى آخر نتحدث فيه عن شيء بوصفه مرغوبا فيه، كما يحدث حين نقول إن الأمانة مرغوب فيها. فما يعنيه هذا بالفعل هو أننا ينبغي أن نكون أمناء، أي أننا نصدر هنا حكما أخلاقيا. وهكذا فإن حجة مل باطلة قطعا، لأن تشبيه «ما يمكن رؤيته

Shafi da ba'a sani ba