Hikmat Gharb (Sashi na Farko)

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
166

Hikmat Gharb (Sashi na Farko)

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Nau'ikan

أما عدم تفاعل الجواهر فهو نتيجة لأن تاريخ حياة كل موضوع منطقي متضمن بالفعل في مفهومه. وهذا القول يلزم عن كون تاريخه هو ما يصدق عليه، وهو الطابع التحليلي لجميع القضايا الصادقة، وهكذا تضطر إلى التسليم بالانسجام المقدر سلفا. غير أن هذا التفسير، إذا شئنا الدقة، لا يقل حتمية على طريقته الخاصة، عن تفسير اسبينوزا، وليس لحرية الإرادة بالمعنى الذي أوضحناه من قبل مكان فيه. أما عن الله وخلقه للعالم، فإن خيريته تؤدي به إلى خلق أحسن عالم ممكن. غير أن لدى ليبنتس نظرية أخرى في هذا الموضوع، لا يظهر فيها الله والخلق على الإطلاق. هذه النظرية تبدو مستوحاة من نظرية أرسطو في الكمال

entelechy ، أو السعي إلى الانتقال من الإمكان إلى الواقع. ففي نهاية المطاف سوف يكون العالم الذي يوجد هو ذلك الذي يتبدى فيه، خلال أي زمن معين، أعظم قدر من التحقق، مع العلم بأن من المستحيل أن تتحقق كل الإمكانات في آن واحد.

ولولا تمسك ليبنتس الشديد بمنطق الموضوع والمحمول، لنشر بعضا من محاولاته في ميدان المنطق الرياضي، ولو كان ذلك قد حدث لبدأ البحث في هذا الميدان مبكرا بقرن من الزمان. فقد رأى ليبنتس أن من الممكن اختراع لغة رمزية شاملة تتسم بالكمال، وتجعل التفكير مجرد عملية حساب. وربما كان ذلك رأيا متسرعا إلى حد ما، برغم العقول الإلكترونية، غير أنه تنبأ بالكثير مما أصبح معروفا بعد ذلك في ميدان المنطق. أما عن اللغة الكاملة، فإنما هي تعبير آخر عن الأمل في أن يقترب البشر من العلم الإلهي الكامل. لقد كان السعي وراء الأفكار الواضحة المتميزة، وما يترتب عليه من بحث عن لغة عالمية كاملة، هما الهدفان العقليان الرئيسيان للفلسفة في التراث الديكارتي، وقد لاحظنا من قبل أن هذا يطابق، بقدر ما، أهداف العلم. وفي الوقت ذاته فإن ما نحن إزاءه ها هنا هو طريق نسير فيه أكثر مما هو غاية نهائية نصل إليها. ولقد أدرك ليبنتس هذا بالفعل، وذلك بصورة ضمنية على الأقل، عندما ذهب إلى أن الله وحده هو الذي يمتلك العلم الكامل، على أننا نجد نقدا أشد حدة بكثير للاتجاه الفكري العقلاني في أعمال الفيلسوف الإيطالي العظيم جامباتستا فيكو

Giambattista Vico (1668-1744م)، فقد أدت عبارة ليبنتس، التي يمكن أن يقبلها أي مسيحي يخاف الله، بما في ذلك فيكو، أدت بهذا الفيلسوف الإيطالي إلى وضع مبدأ جديد للمعرفة. فنظرا إلى أن الإنسان مخلوق، فإنه يعرف العالم بطريقة ناقصة. ذلك لأن شرط معرفة الشيء، عند فيكو، هو أن يكون المرء قد خلقه؛ ولذا فإن الصيغة الأساسية للمبدأ هي أننا لا نستطيع أن نعرف إلا ما نصنع أو نعمل. ويمكننا أن نعبر عن ذلك بقولنا إن الحقيقة مماثلة للواقع، بشرط أن يفهم اللفظ الأخير بمعناه الأصلي.

ظل فيكو غير معروف في زمانه وبعد خمسين عاما من مماته. وقد ولد في نابولي، وكان أبوه بائعا صغيرا للكتب، وأصبح في الحادية والثلاثين من عمره أستاذا للبلاغة في جامعة نابولي. وظل يشغل هذا المنصب المتواضع إلى حد ما حتى اعتزاله في عام 1741م. ولقد كان فقيرا طوال معظم أيام حياته، وكان لزاما عليه، كيما ينفق على نفسه وعلى أسرته، أن يدعم مرتبه الهزيل بإعطاء دروس خصوصية والقيام بأعمال أدبية غير عادية لحساب النبلاء، ولم يستطع معاصروه فهمه لأسباب من أهمها غموض رسالته، ولم يخدمه الحظ أبدا بمقابلة أي مفكر من مستواه أو بالتراسل معه.

إن النظرية القائلة إن الحقيقة هي الفعل أو الصنع، تؤدي إلى عدد من النتائج عظيمة الأهمية. فهي أولا تعلل لنا لماذا كانت الحقائق الرياضية تعرف معرفة يقينية. ذلك لأن الإنسان ذاته هو الذي صنع العلم الرياضي عن طريق وضع قواعد بطريقة تجريدية اختارها هو ذاته، فالسبب الذي يجعلنا قادرين على فهم الرياضيات هو أننا صنعناها بالمعنى الصحيح. وفي الوقت ذاته يعتقد فيكو أن الرياضيات لا تتيح لنا أن نكون معرفة بالطبيعة بقدر ما اعتقد العقلانيون. ذلك لأنه يعتقد أن الرياضة مجردة، لا بمعنى أنها قد انتزعت بالتجريد من التجربة، بل من حيث هي منفصلة عن الطبيعة، ومن حيث هي بناء اعتباطي شيده الذهن البشري. أما الطبيعة ذاتها فقد صنعها الله، ومن ثم كان الله وحده هو الذي يستطيع أن يفهمها. ولو شاء الإنسان أن يعرف شيئا عن الطبيعة، فعليه أن يتخذ لنفسه موقفا تجريبيا يستخدم فيه التجربة والملاحظة، لا أن يكتفي باتباع الأساليب الرياضية، وهكذا كان فيكو أقرب بكثير إلى التعاطف مع بيكن، لا مع ديكارت. ولكن ينبغي أن نعترف بأن فيكو، في تحذيره لنا ضد استخدام الرياضيات، لم يدرك الدور الذي تلعبه في البحث العلمي، ومع ذلك ينبغي أن نعترف في الوقت ذاته بأننا نجد هنا تحذيرا من التأمل الرياضي الجامح، الذي يدعي لنفسه في بعض الأحيان مكانة البحث التجريبي، وقد لاحظنا من قبل أن الموقف الصحيح يقع في مكان ما بين هذين الطرفين.

ولقد أدت النظرية القائلة إن الرياضيات تستمد يقينها من كونها مصنوعة بواسطة البشر إلى التأثير في عدد كبير من الكتاب اللاحقين، وإن كان هؤلاء قد يختلفون مع فكرة فيكو القائلة إن الرياضة اعتباطية بالمعنى الذي حدده. ويمكننا في هذا السياق أن نشير إلى آراء الكاتب الماركسي سوريل

Sorel ، وكذلك إلى التفسيرات التي قدمها جوبلو

Goblot

ومايرسون

Shafi da ba'a sani ba