ويلي لمن لم يرحم الله
ومن تكون النار مثواه
رأى أحد الصالحين فيما يرى النائم ملكا من الملوك ينعم في الجنة، وورعا يعذب في نار الجحيم، فقال: عجبت لهذا الورع التقي يعذب بالنار وهو من الأخيار الأبرار، ويمرح أحد السلاطين في النعيم وهو من المترفين الذين أرادهم سبحانه وتعالى بقوله:
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ، فسمع الزاهد هاتفا يقول: لقد متع الله السلطان بنعيم الجنان، وأصاب الورع بالحرمان لأن الأول كان يحب الحق، ويشد أزره، ويناصر أهله، أما الثاني - وإن كان بالزهد مجاهرا - فليس ورعه إلا ادعاء وتظاهرا، واعلم أن الله لا تنطلي عليه حيلة، وهو القائل في كتابه الكريم:
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
فيا أيها الزهاد، لا خير في المسبحة والثوب المرقع إذا لم تصونوا نفوسكم عن الذنوب، وتحتفظوا بقلوبكم من الرجس، واعلموا علم اليقين أن الظهور بمظهر الزاهدين وأنتم أخبث من الأبالسة والشياطين سوف يسوقكم إلى العذاب قهرا؛ فتجزون بما جزيتم شقاء وشرا، واعلموا أن الواحد منكم لو كان له من المال ما لا يسعه الخزن، ومن الصامت ما لا يحصره العد والوزن، وهو حسن النية طيب الطوية، كان نصيبه لدى الله أوفر ممن يرتضع من الدهر ثدي عقيم، ويركب من الفقر ظهر بهيم، مع خبث في سريرته، وخسة في غريزته:
بالصبر تبلغ ما ترجوه من أمل
فاصبر فلا ضيق إلا بعده فرج
صبر الصالحين
لقيت طغمة من الأراذل عبدا من عباد الله الصالحين، فأحرجت صدره سبا وشتما، وأوسعته لطما ولكما، فذهب بفارغ الصبر وشكا أمره إلى ولي الأمر، فلما سمع شكايته هدأ روعه وطيب خاطره، وقال له: اعلم يا ولدي، أن ثوب الزاهد هو ثوب الاستسلام، ومن يتشح به ولا يقوى على احتمال الكوارث والنوازل، أو لا يحلم لدى حماقة الثقلاء والأراذل فهو طالح في ثوب صالح، ودعي في زي تقي، وقد حرمت الجنة على الأدعياء كما حرمت على الأشرار والجهلاء؛ فأية الحالتين تختار: العفو والجنة أم الانتقام والنار؟
Shafi da ba'a sani ba