Labari da Abin da ke Ciki
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Nau'ikan
سوزان شونسي
البطل وحاشيته
أصابعك ليست شكلا واحدا؛ مثل سائر وقديم، وله صيغ عديدة في دول عربية مختلفة، ودلالته البسيطة والوحيدة أن الناس مختلفون، لا يمكن أبدا أن تحيط بهم سبيكة واحدة أو نمط جاهز، إلا باعتماد ضيق الأفق دليلا. كما يختلف البشر في الحياة، شكلا وجوهرا، يختلف أيضا سكان السرد من الشخصيات، غير أن اختلافهم من طبيعة أخرى، ويمكنك تأمل هذا الاختلاف من زوايا عديدة.
سبق أن التفتنا مثلا إلى الشخصية العادية والشخصية الفائقة القدرات، هذا تمييز له صلة مباشرة بطبيعة قصتك، فهل تريد أن تحكي عن إنسان الحياة اليومية الذي يشبه أغلب الناس في الخطوط العامة لملامحه، ومع ذلك تنتزعه بحكايتك خارج العادي والمألوف وترسم هالة من السحر حول رأسه؟ أم تفضل اختيار شخصية تعلو على الحياة اليومية، تملك قدرات خارقة، تستطيع أن تصنع ما لا يقدر عليه الآخرون؟ كل هذا الحديث يخص البطل الأساسي لقصتك، ولكن لن يكون كل شخصيات سردك أبطالا، وإلا فلن تنتهي حكايتك إذا بدأت.
من زاوية أخرى، تختلف شخصياتك بعضها عن بعض؛ من حيث مقدار تركيز السرد عليها، ودورها في الحكاية، من النجم الذي تدور في فلكه سائر الكواكب؟ قد يكون أكثر من نجم واحد بطبيعة الحال. نسميها الشخصيات الرئيسية، التي لها نصيب الأسد من الحكاية، وتحمل على عاتقها فكرتك وتكشف باطنها للقارئ، وتنتقل بالسرد من محطة إلى المحطة التالية عبر رحلتها. اختيار الشخصية الرئيسية ليس مهمة يسيرة، بل عامل أساسي في تكوين هيكل عملك الأدبي، وهناك المئات من الأسئلة التي يتوجب عليك أن تطرحها وتحاول الإجابة عنها في سبيل تحديد تلك الشخصية؛ لكي تصل إلى الاختيار الأنسب لفكرتك وللعالم الذي تطمح لاستكشافه، والحكاية التي تريد أن ترويها.
الشخصيات الثانوية في المقابل أكثر عددا، يختلف نصيبها من السرد بحسب الحاجة إليها؛ فقد تظهر في كل الفصول، وقد تظهر مرة واحدة ثم تختفي تماما، قد تكون مجرد أداة تستخدم لتحقيق غرض واضح ومحدد؛ غرض درامي أو جمالي أو غير ذلك.
على مستوى آخر، سنجد من يقسم الشخصيات إلى متغيرة وثابتة، ويمكن العثور على هذا التمييز تحت مسميات عديدة؛ منها الشخصيات المتغيرة، وهي الحيوية أو النامية أو المستديرة (بمعنى أنها ليست نقطة ثابتة)، والأخرى يقال لها الخشبية (بمعنى أنها أقرب إلى عرائس جامدة لا تكاد تتحرك)، وقد تسمى أيضا الشخصيات المسطحة، وكانت تسمى في القرن السابع عشر «أمزجة»، فهي تظهر تعبيرا عن مزاج ثابت لا يتبدل، ولن يكون من الصعب عليك أن تنتبه إلى ذلك النوع من الشخصيات/الأمزجة إذا ما تذكرت مثلا صديق البطل الأكول في بعض أفلامنا القديمة، أو الخادمة الخفيفة الدم، إنها أقرب إلى الأنماط الجاهزة التي يتعرف المتلقي عليها بمجرد ظهورها.
ومع ذلك، فليس عليك أن تعامل شخصياتك الثانوية معاملة العرائس الخشبية، أو الأنماط الجاهزة المعروفة سلفا؛ فالبعض يقيس عظمة الكاتب بتميز تقديمه لشخصياته الثانوية.
من ناحية أخرى، قد يلح كثيرون ممن يكتبون حول اللعبة السردية على أن الشخصية الرئيسية لا بد أن تتغير خلال رحلتها؛ أن تبدل قناعاتها، أن تحل مشكلاتها، وهي أفكار شائعة خصوصا في الأشكال التجارية من الأدب والسينما. تغير الشخصية الرئيسية ليس قانونا مقدسا، إنه مسألة اختيار، شأنه شأن جميع عناصر السرد، فقد تظل شخصيتك ثابتة على مدى رحلة السرد بملامحها ومواقفها وطبيعتها العامة، ومع ذلك تظل تشع بالحياة والتوتر والتناقضات، كما أن ذلك التغير - إن كان لا بد منه - ليس من الضروري أن يكون شيئا هائل الحجم ساطع الضوء، فقد يتسرب عبر التفاتات صغيرة ونغمات خافتة. كل تلك احتمالات ومذاهب لا يحسمها إلا اختيارك وطبيعة الحكاية التي تطمح لأن ترويها.
التناغم؛ كلمة السر
Shafi da ba'a sani ba