فالكرم والكريم يابني في المدن والقرى عند أكثر أهلها غير مرضي ولا ممدوح، وذو الدناءة والبخل واللؤم عندهم مقبول مرضي غير معيب ولا مفضوح، وما بالقرى والمدن في الكبار والصغار من منكرات المجون والشرور والفحشاء أكبر وأعم وأظهر من أن يؤتى له على عدد وإحصاء، مع ما في القرى والمدن يابني من فساد اللغة والكلام واللسان، واختلاط غثاء الناس من الحمران والسودان، تبرج الحرم لفساد من بالقرى من العرب وسفساف العجم، فالغيرة من أهل المدن أو أكثرهم على الحرم متروكة مطروحة، والحرم بتبرجها في الأسواق والطرق مفضوحة.
فأف يابني ثم أف لمن كان ذا حرية وكرم وأنف، سكن في هذا الدهر المدن والقرى، ما دامت على مثل ما هي عليه من ذكرهم هذا من المنكرات التي ذكرنا فيها والفحشاء، وما غلب على أهلها الكبار منهم والصغار والنساء من الخنا([14]) والساس والفساد واللؤم والدناءة والنذلات والردى، فأين أنتم يابني عن طاعة ربكم فيما أمركم به ودلكم عليه من المهاجرة وترك المجاورة لمن يسخطه ويعصيه، والإمتثال لمسالك أهل الشرف من آبائكم وسلفكم وأولكم في ترك المدن والقرى ومجاورة أهلها، والتنحي إلى البادية والإعتزال عن سفساف([15]) القرى وغوغائها وسفلها.
Shafi 59