310

Hidayat Raghibin

هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين

وكان إذا عرض البيت من القصيدة يحتج به على لفظة غريبة من الكتاب والسنة أو غيرهما من كلام العرب روى القصيدة أو أكثرها، وربما روى سبب إنشائها، ونسب قائلها، ويحكي كثيرا من أشعاره إلى غير ذلك من الأحوال الشاهدة له بالسبق في هذا الشأن، وكان عليه السلام عارفا بأيام العرب على ضرب من التفصيل. انتهى كلام الفقيه الشهيد -رحمه الله- في وصف الإمام المنصور بالله في علم الأدب إلى هاهنا.

وأقول: لو قال قائل: إنه لم يكن مثل المنصور بالله عليه السلام أحد من أئمة العترة وغيرهم في حفظه لأشعار العرب، وأيامها، وأنسابها، وقبائلها، وبيوتها، وعمائرها، وما كان من أخبار الجاهلية وأهلها، وحروبها، وسلمها، وأحوالها، ومن هلك منهم قتلا، ومن أسلم منهم طوعا، ومن أسلم منهم كرها لكان صادقا؛ فإن المنصور بالله بلغ من هذه المعارف مبلغا لم يبلغه أحدا، ومن أغرب أموره وكلها غريب، أنه يعرف أماكن العرب وبلادها ومنازلها وجبالها وطرقها ومناهلها، حتى كأنه عاصرهم من أولهم إلى آخرهم.

ورأيت له قصيدة يذكر فيها (الحجاز) ويذكر فيه مواضع على عادة الشعراء في التشبيب في النسبة بذكر المعاهد والديار؛ يقول من يراها ويقرأها أنه مولود في الحجاز، وناشئ بين أهله؛ وظهر لي أنه عليه السلام لم يحج رأسا، وأوصى بحجة إلى بيت الله الحرام، وكان من أعرف الناس بالحجاز، وأماكنه ودياره ومساكنه وطرقه ومناهله، ومثل هذا غريب لا يتفق لغيره، ولا يوجد مع أحد سواه.

Shafi 354