الجهة الرابعة : في اتحاد الطلب والإرادة.
وقبل الكلام في المقام لا بد من بيان منشأ النزاع بين المعتزلي القائل بالاتحاد والأشعري القائل بالمغايرة.
فنقول : النزاع بين الفريقين نشأ من أمرين :
الأول : اعتقاد الأشاعرة بأن العباد مجبورون في أفعالهم ، ولازم هذا الزعم الفاسد والرأي الكاسد أن فعل المخلوق إما واجب إن تعلقت الإرادة الأزلية به ، أو ممتنع إن لم تتعلق به ، لاستحالة تخلف الإرادة عن المراد في حقه تعالى ، لأنه ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) (1) فالعاصي الذي لم يمتثل أمره تعالى ، ولم يصدر عنه الفعل لا محالة يكون لأجل عدم إرادته تعالى به ، وحيث إنه مكلف بالفعل بالضرورة ومأمور به بالبداهة والمفروض أنه لم تتعلق الإرادة به فلا محيص عن التزامهم بأن الطلب المفاد من الأمر غير الإرادة ، وإلا يلزم تخلف الإرادة عن المراد ، أو كون الخطابات المتوجهة إلى العاصين مجرد لقلقة اللسان ، ولا يمكن الالتزام بشيء منهما.
ومما يتفرع على هذا الزعم : إنكار التحسين والتقبيح عقلا في أفعال العباد بتوهم أنهم لا اختيار لهم وهم مجبورون في أفعالهم ، ومن الواضح أن العقل لا يقبح ولا يحسن الفعل الصادر لا عن اختيار ، ولا يحسن مثلا إيقاع السوط على شخص تأديبا إذا صدر
Shafi 196