وكذلك كان يصيب الموظفين فإنه كان يوظف الوجيه ثم يعزله، وهو في طريقه إلى مركز وظيفته. ولما تفاقم هذا الأمر طلب مواجهته أحد الأعيان وسأله إذا كان ينقل عفشه أم يذهب وحده؟ وعين أحدهم مديرا مساء ثم عزله صباحا، فقال فيه - أي في المدير - أحد شعراء لبنان:
خلعوه ساعة وظفوه فكان في
رجل الحكومة كالحذاء الضيق
قد يكون هذا الوباء، داء حب الوظيفة، منتشرا في كل بلدان الله، ولكن أظن أن حالتهم غير حالنا. فهناك يؤمنون أن لهم وطنا يؤمنون به، وإن أكلوه فكما يؤكل القربان، أما نحن فنأكله بلا إيمان. إنهم يبنون وطنا، أما نحن فنبني بيوتا في بلد اسمه لبنان، فحالنا وحال الغرباء فيه سواء بسواء. نبيعه رأسا برأس ولا نطمع بزيادة.
فيا أيها الناس، إن وجود الفساد لا يبرر بقاءه، كلكم اعترفتم بوجوده، وكل مناقشة جلسة الثقة دارت وستظل تدور حول الوظيفة والموظفين والملاكات. فهذه الملاكات إن شئت أن تسميها خراجات اصطناعية فلا بأس، وإذا شئت أن تسميها ثقوبا يخرج منها ناس وتدخل ناس فلا حرج، ولكن لا تنسوا أن ثقب سد مأرب كان سبب خراب ذاك المكان. يقولون إن جرذا أحدث ذلك الثقب فكان السيل العرم الذي قتل الناس، ترى ما عسانا نقول نحن؟!
ذكرني قول سامي بك: ما معنا وقت حتى نصرفهم - هكذا قرأت - بهذه النادرة أن سامي بك سيد النكات بين الحاكمين، فليسمح لنا بواحدة من فضله. تزوج رجل امرأة وكان ذاك الرجل أجيرا نهاريا، فقالت له امرأته: يا رجال ابن عمي صاحب دكان حمص، فما عليك لو ساعدته وقبضت كم قرش؟!
فاستصوب رأيها وذهب يشتغل مع ابن عمها حتى نصف الليل.
ثم مضت أيام فقالت له: ابن خالي صاحب دكان فول وسحلب، فما يضر لو غدوت إليه وساعدته حتى شروق الشمس؟ وكان ما أرادت.
وبان الهزال في الرجل فرآه صاحب له وقال له: على مهلك لا تجهد نفسك. ثم دار بينهما الحديث ففهم الرجل مصيبة صاحبه بامرأته فقال له: طلقها.
فأجابه الرجل: أهو معنا وقت حتى نطلقها؟!
Shafi da ba'a sani ba