قاطعته بنفاد صبر: «لا يهمني أن أعرف ما هو، أرجو أن تستمر في قصتك.» - «قصة التسويق الشبكي؟» - «عمار، لجان الأحياء.»
ظل ينظر لي بعينين مخمورتين لثوان مبتسما في بلاهة، وكأنه لم يسمعني، ثم قال فجأة كأنه لم يتوقف: كان عمار يعتقد أن الكل متحفز ويتأهب للمشاركة في الانتفاضة، فقط هم يحتاجون إلى دفعة أولى، أن يروا أشخاصا قد خرجوا للشوارع فعليا، عندها ستحرك بقية التروس في الماكينة، وستنطلق الانتفاضة الشاملة.
كانت مهمة اللجان أن تكون هي الشرارة الأولى التي تخرج للشوارع. كانت الخطة التي وضعها «عمار» بأن يقوموا بالتنسيق مع بقية اللجان المجاورة؛ لعمل تجمعات صغيرة تعتمد على تكنيك الكر والفر والمسيرات القصيرة، وأن تنشأ بالتوازي في مناطق مختلفة من الخرطوم؛ لتشتيت أفراد الأمن وإرهاقهم.
تولى «عمار» مهمة تنسيق التواصل بين هذه المجموعات، وتحديد أوقات وأماكن التجمعات؛ حتى لا يحدث تضارب بينها، وكانت مهمة «محمود» تحديد أماكن التجمع، واختيار بيوت آمنة للانسحاب والتقاط الأنفاس في حالة مهاجمة المظاهرة.
في تلك الفترة لم أعد أرى عمار.
اختفى تماما، لم يعد يحضر للمنزل أو للجامعة للمحاضرات.
المرة الوحيدة التي رأيته فيها لثوان كان برفقة ذلك الطالب اللزج «محمود» أحد طلاب العلوم السياسية بجامعة النيلين، كان معجبا بعمار وطريقته الحماسية في الخطابة، ويحضر دوما حلقات النقاش التي يقيمها بالجامعة، لكن علاقتهما وقتها لم تتعد السلام من بعيد وهزات الرأس. فجأة أصبح صديقه الحميم، وأصبح يلازمه كظله.
حتى «هبة» حبيبة القلب لم تعد تراه، قابلتني في نشاط الجامعة بعد أيام وجلسنا نشرب الشاي، كانت بادية القلق، قالت لي إنها لم تعد ترى «عمار» في الجامعة، ولم يعد يتصل بها أو يرد على اتصالاتها، أو رسائلها. قالت لي إنها تخشى أن يكون قد أصابه مكروه ما.
لا أخفي عليك يا دكتور: إنني بدأت أشعر ببعض الحنق تجاهه، لقد بدأ يتجاهلني ويخرجني من دائرة اهتمامه. كنت صديقه الوحيد بالكلية وتوقعت أن يأتمنني على أسراره في تلك الفترة، لا أن يتجاهلني، ويبدأ في التسكع مع هذا ال «محمود». لم يكن هذا مفهوما بالنسبة لي.
لن أقول إنني شعرت بالغيرة؛ حتى لا يبدو شكل العلاقة غريبا، لكنني كرهت «محمود» جدا.
Shafi da ba'a sani ba