هممت أن أتقدم نحوك وقتها يا سيدتي؛ لأقدم واجب العزاء، لكنني أحجمت عندما رأيت ذلك الشاب الوسيم يقف بجوارك، ثم يضع رأسك الباكي على صدره ويحتضنك معزيا. آثار الحناء على يديه ورأسه الحليق يوحيان بأنه متزوج حديثا كذلك.
ثم رأيتك تركبين معه السيارة، وتنطلقان بعيدا.
هكذا وجدتني أقود سيارتي في شرود، عبر شوارع «ود نوباوي» متجها إلى المنزل، بعد انتهاء مراسم الدفن. صوت العطبراوي يتردد عبر أثير الراديو:
أيها الناس نحن من نفر، عمروا الأرض حيث ما قطنوا
يذكر المجد كلما ذكروا، وهو يعتز حين يقترن
حكموا العدل في الورى زمنا، أترى هل يعود ذا الزمن؟
ردد الدهر حسن سيرتهم، ما بها حطة ولا درن
نزحوا لا ليظلموا أحدا، لا ولا لاضطهاد من أمنوا
أبتسم في سخرية مريرة مع المقطع الأخير للأغنية، وأقول لنفسي بصوت مسموع: «لم نضطهدهم فقط، لقد قتلناهم يا عطبراوي.» «عمار» الطفل يلتفت لي، وهو يبكي، يحمل أخته على كتفه، ثم يمد أصبعه السبابة في وجهي، وفي عينيه اتهام صامت. - «ظننت أنه يوم القيامة، كانت النيران هائلة، والصراخ رهيبا، ورائحة الموت تعبق في المكان، وتزكم أنفاسي.»
أتنهد في عمق، وأنا أرمق الطريق بعينين غائمتين لا تريان، أدرك أن عيني مغرورقتان بالدموع. فأوقف السيارة على جانب الطريق، وأجذب فرامل اليد لأعلى، وأريح رأسي على مسند الرأس في الكرسي.
Shafi da ba'a sani ba