chantries )، وكذلك الدعوة إلى أن يتوجه الإنسان بالصلاة إلى الله فقط، والزعم بأن الإيمان وحده قادر على أن ينقذ الإنسان من النار بغض النظر عن صالح الأعمال، وبأن المسيحي المخلص لا يلتزم أو له ألا يلتزم بأي قانون بشري لم يأت به المسيح؛ ومن ثم القول بأن الكتاب المقدس والكنيسة هما المرجع الأوحد للعقيدة، والدعوة إلى تعميم الزواج بين الجميع بمعنى إلغاء الأيمان التي يحلفها القسس بأن يظلوا دون زواج، وكان يطلق عليها «أيمان العفة» (
Vows of Chastity ). وكانت بعض هذه الأفكار نابعة من تفسير المثقفين الشبان وتذييلاتهم لترجمة الكتاب المقدس إلى الإنجليزية التي تنسب إلى ويكليف
Wycliffe (1330-1384م) والتي شاعت وانتشرت بين الطبقات الفقيرة، ودعت كل من يعرف لغته الأم إلى التساؤل عن صدق ما يدعو إليه الكهنة إذا لم يجد له سندا في الكتاب. وعلى امتداد القرن كله (أي حتى عهد هنري الثامن) كانت هذه التفسيرات والتذييلات تلقى الهجوم والسخرية، ويطلق على من يرددها لفظ المتشدق الأجوف، وعلى التشدق الأجوف لفظ
lollardry ، وكانت الأفكار في مجموعها تعتبر مرادفة للهرطقة. وذلك قبل أن يصدر مارتن لوثر ترجمته للكتاب المقدس من اليونانية إلى الألمانية عام 1517م، ولا يجب أن ننسى ما حدث قبل مائة عام تقريبا؛ أي في 1408م؛ إذ دعا رئيس الأساقفة السير توماس أرندل
Sir Thomas Arundell
إلى عقد مجمع مقدس لرجال الكنيسة انتهى فيه إلى منع ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الوطنية، وانطلق مندوبو الكنيسة في كل مكان للبحث عن النسخ الإنجليزية وإحراقها، ولكن الحظر لم يكن محكما برغم جميع الجهود المبذولة؛ إذ ما تزال بين أيدينا نحو 200 نسخة من هذه الترجمة يرجع تاريخها إلى ما بين عامي 1420م و1450م. ويذهب المؤرخون إلى أن «المتشدقين» قد اشتد ساعدهم في النصف الأخير من القرن الخامس عشر، وكانوا من العوامل التي أوجدت المناخ الملائم للإصلاح الديني الذي نهض به هنري الثامن، فلولا التأييد الشعبي لما استطاع كبار علماء التنوير مثل إرازموس
Erasmus
وصحبه التأثير في الجيل الجديد.
إننا نجد أنفسنا مع بداية المسرحية على فوهة بركان، ولم تكن المشكلة التي يركز عليها شيكسبير؛ أي موضوع الطلاق من كاثرين والتزوج من آن بولين، إلا الفتيل الذي أشعل النار، أما اللهيب الحقيقي فكان لهيب ثورة الإصلاح الديني التي قادها الملك، باسم الدين الصحيح، فبذر أولى البذور التي ضربت جذورها في التربة الإنجليزية في عهد خلفه، وآتت أكلها في عهد الملكة إليزابيث، وهي التحول من الكاثوليكية إلى البروتستانتية.
ولكن من هي آن بولين «الفتيل الذي أشعل النار»؟ كانت آن هي الشقيقة الصغرى لعشيقة الملك (ماري برلين). وقد أرسلها والدها للدراسة في فرنسا وهي بعد في العاشرة، وعندما عادت إلى البلاط عام 1522م، لم تكن قد تجاوزت الخامسة عشرة، وكان سلوكها في البلاط ينم على الذوق الرفيع الذي كان الإنجليز ينسبونه إلى تقاليد فرنسا المستقاة من فنون عصر النهضة، سواء في الملبس أو طريقة الكلام أو في الميل إلى الرقة والرشاقة في كل ما تقوله وتفعله، وسرعان ما التحقت بخدمة الملكة (أي أصبحت من وصيفاته) فاقتربت من كبار أهل البلاط واستطاعت بموهبتها الكبيرة أن تحذق أساليب حياته وتحيط بدسائسه ومؤامراته. ويقول معاصروها إنها ليست رائعة الجمال؛ فهي قصيرة القامة، وبشرتها داكنة، وفمها واسع، وعيناها سوداوان، ولكنها كانت بعيدة مهوى القرط، وشعرها البني ينسدل على كتفيها، وحركتها رشيقة، وبديهتها حاضرة، فتغزل فيها الشاعر سير توماس وايات، وتشبب بها، كما أوقعت في حبائلها أحد كبار رجال الدولة وهو السير هنري بيرسي
Shafi da ba'a sani ba