Hegel Gabatarwa Mai Gajarta
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
السيد والعبد
ننتقل الآن إلى الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في كتاب «فينومينولوجيا العقل» بأكمله، حيث يعتلي الكائنان الواعيان بذاتيهما خشبة المسرح. لتيسير شرح الفكرة، سنشير لهذين الكائنين بوصفهما شخصين (فهيجل بالطبع لا يتلطف ويجعل الشرح أيسر). إذن كل شخص يحتاج إلى الآخر ليثبت وعيه بذاته. فما الذي يحتاجه كل شخص من الآخر بالتحديد؟ يقول هيجل إنه يحتاج إلى الإقرار أو الاعتراف به. لفهم هذه النقطة، نحتاج إلى ملاحظة أن الكلمة الألمانية المرادفة للوعي الذاتي
Selbstbewusstsein ، تحمل أيضا معنى «الثقة بالنفس». هذا المعنى للكلمة الألمانية هو ما يدعم فكرة هيجل أن وعيي الذاتي مهدد بوجود شخص آخر يعجز عن الاعتراف بي كشخص. وكما أشار ريتشارد نورمان، يمكننا أن نتخذ من عمل أطباء النفس الوجوديين، مثل آر دي لينج، سبيلا لتوضيح هذه الفكرة. فإذا ما حرم شخص ما من الاعتراف بقيمته بصورة منتظمة من قبل جميع من يعتمد عليهم - كما يمكن أن يحدث داخل أسرة حيث يكون أحد أفراد الأسرة هو كبش الفداء المسئول عن مشاكل الجميع - يمكن أن يتدمر إحساس ذلك الشخص بالهوية تماما (تتمثل نتيجة هذا الافتقار للاعتراف به، وفقا للينج، في الإصابة بمرض الفصام).
إذا كان هذا المفهوم للحاجة للإقرار والاعتراف به لا يزال غامضا، فتأمل التشبيه الخاص بدولة تحصل على الاعتراف الدبلوماسي بها. فأهمية الاعتراف الدبلوماسي للدول تتضح من خلال الجهود التي تبذلها بعض الدول، مثل الصين، للحصول عليه، وأيضا من خلال الجهود التي تبذلها دول أخرى حتى تحرمها من الحصول عليه. وحتى تحصل الدولة على اعتراف الدول الأخرى بها، لا تكون دولة كاملة الحقوق. إن الاعتراف الدبلوماسي مهم؛ لكونه من جهة لا يقوم ظاهريا إلا بالاعتراف بشيء موجود بالفعل، ومع ذلك من جهة أخرى يجعل شيئا ما أقل من دولة يصبح دولة كاملة. الأهمية نفسها يتسم بها مفهوم هيجل عن الاعتراف بالذات.
إن الحاجة للاعتراف متبادلة. إذن قد يتصور المرء أن الناس يمكنهم الاعتراف بعضهم ببعض بسلام وينتهي الأمر. بدلا من ذلك، يخبرنا هيجل أن الوعي الذاتي يسعى ليصبح خالصا، وليحقق هذا المسعى يجب عليه إثبات أنه غير متعلق بأشياء مادية. وفي الحقيقة، يتعلق الوعي الذاتي بالأشياء المادية على نحو مزدوج؛ فهو متعلق بجسده الحي وبالجسد الحي للشخص الآخر الذي يتطلب منه الإقرار بوجوده. إن طريقة إثبات أن الوعي الذاتي غير متعلق بأي من هذين الشيئين الماديين هي خوض صراع حياة أو موت ضد الشخص الآخر. فالسعي لقتل الآخر يثبت أنه لا يعتمد على جسد الآخر، ومخاطرة الشخص بحياته تثبت أنه غير متعلق بجسده الشخصي أيضا. إذن تكون العلاقة الأولية بين الفردين ليست مجرد اعتراف متبادل وسلمي، بل صراع.
من الصعب معرفة ما يمكن أن نستشفه من هذا. يبدو أن هيجل يخبرنا بأن الصراع العنيف ليس حدثا عارضا في العلاقات الإنسانية، بل هو عنصر ضروري في عملية إثبات المرء لذاته. مع ذلك، هل من الممكن أنه يقصد حقا أن الأشخاص الذين لم يخاطروا بحياتهم ليسوا أشخاصا بحق، أو على نحو كامل؟ ربما يكون من الأفضل - وبالتأكيد أكثر تلطفا - اعتبار عملية «الإثبات» مجرد عملية للإعلان عن شيء موجود بالفعل (على سبيل المثال، عندما نقوم بإثبات نظرية ما، فإن إثباتنا لا يحولها إلى حقيقة، بل يثبت أنها كانت حقيقية طوال الوقت). وفقا لهذا التأويل، يمكن لشخص ما لم يخاطر بحياته أبدا أن يظل شخصا، على الرغم من أن وجوده بوصفه شخصا لم يثبت. وعلى نحو أكثر تلطفا، قد يمكننا تفسير قول هيجل بأنه يعتقد فقط أنه من الضروري في مرحلة ما أن يخاطر بعض الأشخاص بحياتهم لإثبات استقلاليتهم عن أجسادهم، ولا داعي لتكرار هذا الإثبات مع كل شخص.
وبالعودة إلى الصراع، كانت الفكرة الأصلية هي أن كل فرد كان عازما على قتل الآخر؛ ومع ذلك، فإن تأمل الفكرة للحظة يظهر أن هذه النتيجة لا تناسب أي شخص؛ لا الشخص المهزوم الذي سيكون ميتا، ولا المنتصر الذي سيكون قد دمر مصدر الاعتراف به الذي يحتاجه لتأكيد إحساسه بذاته بوصفه شخصا. وهكذا يدرك الشخص المنتصر أن الشخص الآخر مهم لوجوده؛ ولذا يبقي على حياته، إلا أن المساواة الأصيلة بين شخصين مستقلين حل محلها وضع غير متساو يكون فيه المنتصر مستقلا والخاسر تابعا؛ يكون الأول السيد والثاني العبد.
بهذه الطريقة يفسر هيجل الانقسام بين الحاكم والمحكوم. ومن جديد - مع ذلك - فإن هذا الوضع غير مستقر. والسبب الذي يبديه هيجل وراء عدم استقراره هو سبب مبتكر على نحو مدهش.
شكل : عبد يطلب الاعتراف به.
للوهلة الأولى يبدو أن السيد لديه كل شيء؛ فهو يرسل العبد للعمل في العالم المادي ويستلقي للاستمتاع بخنوع العبد وثمار عمل العبد. لكن تأمل الآن حاجة السيد إلى الاعتراف به. بالطبع يحظى السيد باعتراف العبد به، لكن العبد في نظر السيد ما هو إلا شيء، وليس وعيا مستقلا على الإطلاق. ففي نهاية المطاف لا يمنحه السيد الاعتراف الذي يطلبه.
Shafi da ba'a sani ba