Hegel Gabatarwa Mai Gajarta
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
انطلاقا من شكل الوعي الأولي الذي ناقشناه في الجزء السابق، يتتبع هيجل تطور الوعي عبر مرحلتين لاحقتين يطلق عليهما «الإدراك» و«الفهم». وفي كل مرحلة منهما يضطلع الوعي بدور أكثر فاعلية مما كان عليه في المرحلة السابقة. ففي مرحلة الإدراك، يصنف الوعي الأشياء وفقا لخصائصها الكونية، لكن هذا يثبت عدم كفاءته؛ لذا في مرحلة الفهم يفرض الوعي قوانينه الخاصة على الواقع. إن القوانين التي كان يقصدها هيجل هي قوانين نيوتن الفيزيائية، والرؤية التي تشكلت بشأن الكون بناء عليها. وعلى الرغم من أن هذه القوانين تعتبر بصورة عامة جزءا من الواقع الذي اكتشفه نيوتن وغيره من العلماء، فإن هيجل يرى أنها لا تتعدى كونها امتدادا للتصنيف الذي يقوم به الوعي للبيانات الأولية التي يتلقاها عبر تجربته الحسية. وكما أن وضع هذه البيانات في فئات كونية خاصة باللغة جعل من الممكن نقلها، فإن قوانين الفيزياء هي طريقة لجعل البيانات أكثر ترابطا ويمكن التنبؤ بها. إن المفاهيم المستخدمة في هذه العملية - مفاهيم مثل «الجاذبية» و«القوة» - ليست أشياء نراها موجودة في الواقع، لكنها مفاهيم شكلها فهمنا لمساعدتنا على إدراك الواقع.
لا يرى الوعي في مرحلة الفهم هذه المفاهيم كما هي في حقيقتها، بل يعتبرها أشياء موجودة لفهمها. يمكننا نحن، الذين نتتبع عملية تطور الوعي، أن نرى أن الوعي في الحقيقة يحاول فهم ما صنعه بنفسه. فقد وصل الوعي إلى مرحلة يمكنه فيها تأمل ذاته. إنه الوعي الذاتي الكامن. بهذا الاستنتاج يختتم هيجل الجزء الأول من كتاب «فينومينولوجيا العقل» (الجزء المعنون «الوعي»). في الجزء التالي، تحت العنوان العام «الوعي الذاتي»، يتخلى هيجل عن الاستقصاء المباشر لمشكلة المعرفة التي كانت محور الجزء الأول، ويحول تركيزه إلى تطور الوعي الذاتي الكامن إلى الوعي الذاتي الجلي تماما (يظل هذا بالطبع جزءا من تطور العقل نحو مرحلة المعرفة المطلقة).
العقل الراغب
إن مفهوم هيجل عن الوعي الذاتي مهم؛ وقد أثر بطرق مختلفة على كل من المفكرين الماركسيين والوجوديين. يؤكد هيجل أن الوعي الذاتي لا يمكن أن يوجد بشكل منفصل؛ فلتكوين صورة صحيحة عن ذاته، يحتاج الوعي بعض التباين. يتطلب الوعي شيئا يستطيع أن يميز نفسه عنه. فلا يمكنني أن أصبح على وعي بذاتي إلا إذا كنت على وعي بشيء ما ليس ذاتيا. فالوعي الذاتي ليس مجرد وعي يتأمل ذاته.
شكل : وعي ذاتي يتعرف على وعي ذاتي آخر.
على الرغم من أن الوعي الذاتي يحتاج إلى شيء خارج ذاته، فإن هذا الشيء الخارجي هو أيضا شيء غريب عنه ومناقض له. إذن يوجد علاقة حب وكراهية مميزة بين الوعي الذاتي والشيء الخارجي. تظهر هذه العلاقة، في أفضل تقاليد علاقات الحب والكراهية، في شكل رغبة. فالرغبة في شيء هي أن تتمنى امتلاكه، وهكذا لن تدمره بالكلية، لكن أيضا أن تحوله إلى شيء خاص بك، وهكذا تتخلص من كونه غريبا عنك.
إن تقديم هذا المفهوم عن الرغبة يشير إلى تحول في اهتمام هيجل من المشاكل النظرية المتعلقة باكتشاف الحقيقة إلى المشاكل العملية المتعلقة بتغيير العالم. لدينا هنا تنبؤ بفكرة «وحدة النظرية والممارسة» التي يوليها الماركسيون اهتماما عظيما. لا يتم التوصل للحقيقة عن طريق التأمل وحده، وإنما عن طريق التأثير في العالم وتغييره. يحمل شاهد القبر الخاص بماركس كلمات من أطروحته الحادية عشرة الشهيرة حول فويرباخ: «لقد اكتفى الفلاسفة بتفسير العالم بعدة طرق، إلا أن تغييره هو الأهم.» كان ماركس بالتأكيد يفكر في هيجل كأحد «الفلاسفة»، ولا شك أن ماركس تمنى تغيير العالم بصورة جذرية أكثر من هيجل؛ ومع ذلك، كان من الممكن أن يشير هيجل إلى أن الفكرة الضمنية التي تحملها كلمات ماركس يمكن العثور عليها في كتاب «فينومينولوجيا العقل»؛ وذلك عندما يكتشف الكائن الواعي بذاته أنه لكي يكون لديه إدراك تام لذاته، عليه أن يشرع في تغيير العالم الخارجي، وأن يجعله ملكه.
تظهر الرغبة كتعبير عن حقيقة أن الوعي الذاتي في حاجة لشيء خارجي؛ ومع ذلك يجد نفسه مقيدا بأي شيء خارج ذاته. لكن الرغبة في شيء تعني عدم الرضا؛ لذا فالرغبة - بتلاعب هيجلي نموذجي بالألفاظ - هي حالة عدم رضا لدى الوعي الذاتي. والأدهى من ذلك، يبدو أن الوعي الذاتي مقدرا له أن يظل غير راض إلى الأبد، فإذا ما تم التخلص من الشيء المرغوب فيه كشيء مستقل، فسيكون الوعي قد دمر الشيء الذي يحتاجه لوجوده.
إن الحل الذي يقدمه هيجل لهذا المأزق هو تحويل ذلك الشيء إلى وعي ذاتي آخر. وبهذه الطريقة سيكون لدى كل كائن واع بذاته شيء آخر يمكنه مقارنة نفسه به، لكن يتضح أن «الشيء» الآخر ليس مجرد شيء بسيط يجب تملكه، ونتيجة لذلك «نفيه» بوصفه شيئا خارجيا، بل هو وعي ذاتي آخر يمكنه امتلاك ذاته؛ ومن ثم يمكنه التخلص من ذاته كشيء خارجي.
إذا كان هذا الكلام يبدو مبهما، فلا تقلق، فالكلام أكثر إبهاما في نص هيجل. يبرز إيفان سول - أحد المعلقين - «الغموض المفرط» في حجة هيجل في هذه النقطة. كما يتناول معلق آخر، وهو ريتشارد نورمان، هذا الجزء بإيجاز، قائلا: «نظرا لأنني أجد أجزاء كبيرة منه غير مفهومة، فسأتحدث بإيجاز عنه.» إن النقطة المحورية عند هيجل هي أن الوعي الذاتي يتطلب وعيا ذاتيا آخر، وليس مجرد أي شيء خارجي. إحدى الطرق التي يمكن أن نشرح بها هذه النقطة هي القول بأنه ليرى المرء ذاته، يحتاج إلى مرآة. ليكون المرء على وعي بذاته ككائن واع بذاته، يحتاج المرء أن يكون قادرا على مشاهدة كائن آخر واع بذاته ليرى كيف يبدو الوعي الذاتي. وهناك طريقة بديلة لشرح هذه النقطة؛ وهي أنه لا يمكن للوعي الذاتي أن يتطور إلا في سياق تفاعل اجتماعي. فالطفل الذي ينشأ في عزلة تامة عن جميع الكائنات الأخرى التي لديها وعي بذاتها، لن يتطور ذهنيا لأبعد من مجرد مستوى الوعي؛ نظرا لأن الوعي الذاتي ينمو من خلال الحياة الاجتماعية. كل من طريقتي الشرح هاتين مقبولتان، لكن للأسف، من الصعب ربط أي منهما بالكلمات التي يستخدمها هيجل؛ ومع ذلك، قد تشبه إحداهما أو كلتاهما ما كان يجول في خاطر هيجل.
Shafi da ba'a sani ba