Hegel Gabatarwa Mai Gajarta
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
شكل : هيجل في زيه الأكاديمي.
يتتبع كتاب «فينومينولوجيا العقل» هذه العملية بالتفصيل؛ فيصفه هيجل بأنه: «التسلسل المفصل لعملية تدريب الوعي ذاته وتعليمه حتى مستوى العلم.» جزء من هذا التدريب والتعليم هو في حقيقة الأمر تطور الأفكار الذي طرأ على مر التاريخ. وهكذا يكون كتاب هيجل هذا هو بدرجة ما استباقا للمادة التي تناولها كتاب «فلسفة التاريخ». ومع ذلك، هذه المرة يتم التعامل مع الأحداث ذاتها بطريقة مختلفة؛ فهدف هيجل هو إبراز ضرورة عملية تطور الوعي. يقودنا كل شكل من أشكال الوعي، عندما يكشف أنه دون المعرفة الحقيقية، إلى ما يطلق عليه هيجل «النفي المحدد». إنه ليس التشكك الفارغ الذي يدافع عنه الفلاسفة الذين ينتقدون أساليبنا العادية للمعرفة، فمثل هذا التشكك الفارغ لا يجعلنا نصل إلى شيء. أما النفي المحدد، على الجانب الآخر، فهو شيء ما في ذاته (تأمل إشارة السالب في علم الرياضيات؛ فإنها لا تنتج صفرا وإنما رقما سالبا محددا). و«الشيء» الناتج عن اكتشاف أن شكلا من أشكال الوعي غير كفء هو في ذاته شكل جديد من أشكال الوعي، فهو وعي على دراية بالقصور الموجود في الشكل السابق للوعي ومجبر على تبني نهج جديد للتغلب على ذلك القصور. ولذلك علينا الانتقال من شكل من أشكال الوعي إلى الذي يليه في سعي حثيث خلف المعرفة الحقيقية.
إذن سيقدم كتاب «فينومينولوجيا العقل» إجابة عن السؤال الذي طرح من قبل المتعلق بالسبب وراء أن تاريخ العالم ليس إلا تطور الوعي بفكرة الحرية، وأن ما يحدث في التاريخ يحدث بالضرورة. ومع ذلك، وعلى نحو لا يصدق، كانت الإجابة عن هذا السؤال المهم مجرد نتاج ثانوي للهدف الأساسي للعمل؛ ألا وهو إثبات إمكانية المعرفة الحقيقية؛ ومن ثم العمل كأساس لغاية الفلسفة المتمثلة في تقديم «المعرفة الحقيقية لواقع الأمور» - كما يصيغها هيجل.
إن الهدف من العملية التي يتم تتبعها في كتاب «فينومينولوجيا العقل» هو المعرفة الحقيقية أو «المطلق». كيف سنعرف أننا توصلنا إليها؟ ألن تظل هناك احتمالية وجود شكوك؟ يرد هيجل على هذا بالسلب؛ لأن «المحطة النهائية هي المرحلة التي لا تعد المعرفة عندها مجبرة على التطور إلى أبعد من ذلك ...» بمعنى آخر: حين كان الوعي في السابق مجبرا على الإقرار بأن معرفته غير ملائمة، والسعي للتوصل إلى معرفة أكثر ملاءمة تتجاوزه - السعي لمعرفة «الشيء في ذاته» - فإنه في نهاية العملية لن يعد الواقع «شيئا أبعد» غير معروف. سيتعرف الوعي على الواقع مباشرة ويتحد معه. ولن يكون هناك أي شيء آخر ليحاول الوصول إليه، وسينتهي الإلزام بالسعي المتواصل وراء معرفة أكثر ملاءمة.
لقد حدد هيجل لنفسه مهمة استثنائية. من خلال البدء بنقد لاذع لرؤية كانط للمعرفة (وليس كانط فقط، بل جميع الفلاسفة الذين يبدءون بافتراض وجود انفصال بين الشخص الذي يعرف والشيء المعروف؛ أي فعليا كل الفلاسفة بداية من أفلاطون) يشرع هيجل في تطوير منهج جديد. إن منهج هيجل هو تتبع تطور جميع أشكال الوعي حتى غايتها النهائية بالتوصل إلى المعرفة الحقيقية، التي يجب ألا تكون معرفة بظاهر الواقع وإنما بالواقع ذاته. دعونا نتعرف الآن على كيفية قيام هيجل بهذه المهمة.
معرفة بدون مفاهيم
يبدأ هيجل بأكثر أشكال الوعي بدائية، الذي يطلق عليه «اليقين على مستوى الخبرة الحسية » أو بإيجاز أكبر «اليقين الحسي». كان هيجل يفكر في شكل من أشكال الوعي لا يفعل شيئا سوى إدراك ما يوجد أمامه في أي وقت. يسجل اليقين الحسي ببساطة البيانات التي يتلقاها من الحواس. إنها المعرفة بالشيء المحدد الظاهر لحواسنا. لا يقوم اليقين الحسي بأي محاولة لترتيب المعلومات الأولية التي جمعتها الحواس أو تصنيفها. إذن عندما يكون أمام هذا الشكل من أشكال الوعي ما يمكن أن نصفه بحبة طماطم ناضجة، لا يمكنه وصف خبرته بأنها حبة طماطم؛ لأنه بهذه الطريقة سيكون قد قام بتصنيف ما يراه. حتى إنه لن يستطيع أن يصف الخبرة بأنها رؤية شيء ما مستدير وأحمر اللون؛ لأن هذه المصطلحات أيضا تستلزم شكلا ما من أشكال التصنيف. فاليقين الحسي على وعي بما أمامه الآن فقط؛ أو كما يقول هيجل، هو اليقين بال «هذا»، أو بال «هنا» و«الآن».
يبدو أن اليقين الحسي لديه زعم قوي بأنه المعرفة الحقيقية؛ لأنه على وعي مباشر بال «هذا»، دون أن يفرض عليه المرشحات المشوهة ذات النظام المفاهيمي، بما في ذلك المكان أو الزمان أو أي فئات أخرى. إن اليقين الحسي هو وعي بسيط بالشيء كما هو بالضبط. ومع ذلك - كما يوضح هيجل - فإن الزعم بأن اليقين الحسي هو المعرفة لا يصمد أمام المزيد من الاستقصاء؛ ففور محاولة اليقين الحسي أن ينطق بمعرفته، يصبح غير مترابط. ما هو ال «هذا»؟ يمكن تقسيمه إلى ال «هنا» و«الآن»، لكن هذه المصطلحات لا يمكن أن توصل الحقيقة. فإذا ما سئلنا، في وقت متأخر من الليل، ما هو «الآن»؟ يمكن أن نجيب: «الآن وقت الليل.» لنفترض أننا كتبنا ذلك، والحقيقة - كما يقول هيجل - لا يمكنها أن تفقد أي شيء عند كتابتها ولا عند حفظها. وهكذا في اليوم التالي عند وقت الظهيرة، نخرج الحقيقة التي قد قمنا بكتابتها لنكتشف - كما يقول هيجل - «أنها أصبحت قديمة.» وبالمثل، أقول: «هنا شجرة.» لكن يمكن ليقين حسي آخر ببساطة أن يقول أيضا: «هنا منزل.»
يبدو أن حجة هيجل تستند إلى سوء فهم شديد للغة المستخدمة لنقل معرفة اليقين الحسي. بالطبع من الممكن إعادة التعبير عن معرفة اليقين الحسي بطريقة محصنة ضد مثل هذه الخدع عديمة القيمة، أليس كذلك؟ إلا أن الخدعة لا يمكن تجنبها بسهولة كما يمكن أن نتخيل. من وجهة نظر اليقين الحسي، لا يمكن قول - على سبيل المثال: «في منتصف الليل يكون الليل»، أو: «هناك شجرة في المتنزه.» هذه التعبيرات تفترض مقدما وجود ترتيب عام للأشياء، بما في ذلك مفاهيمنا عن الزمان والمكان.
كيف يمكن إذن التعبير عن معرفة اليقين الذاتي؟ ما يقصده هيجل هو أنه لا يمكن التعبير عنها باستخدام اللغة نهائيا؛ لأن اليقين الحسي هو معرفة الشيء المحدد الخالص، أما اللغة فدائما ما تتضمن وضع شيء ما تحت مسمى أكثر عمومية أو كونية. «الطماطم» مصطلح عام يميز فئة كاملة من الأشياء، وليس شيئا محددا مفردا، وينطبق هذا على أي مصطلح آخر. إن الغرض من هجوم هيجل على مصداقية «الآن وقت الليل» هو إثبات أن استخدام مصطلحات مثل «الآن» و«هنا» و«هذا» ليست طريقة للتعبير عن معرفة بشيء محدد خالص. هذه المصطلحات أيضا كونية؛ فهناك أكثر من واحدة من «الآن» أو «هنا». إذن فقد علق اليقين الحسي، خلال مسعاه للتعبير عن معرفته بشأن الشيء المحدد الخالص، بحتمية المصطلح الكوني.
Shafi da ba'a sani ba