Hegel Gabatarwa Mai Gajarta
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
منذ حركة الإصلاح الديني، أصبح دور التاريخ يقتصر على تغيير شكل العالم وفقا للمبدأ الرئيسي للحركة. وهي مهمة غير سهلة؛ فلو أن كل إنسان قادر بحرية على استخدام قواه الفكرية للحكم على ما هو حقيقي وصالح، لما أمكن العالم أن يلقى قبولا كونيا إلا عندما يطابق المعايير العقلانية؛ ولذا يجب على جميع المؤسسات الاجتماعية - بما في ذلك القانون والتملك والأخلاق الاجتماعية والحكومة والدساتير وغيرها - أن توضع وفقا للمبادئ العامة للعقل، وحينها فقط سيختار الأفراد بحرية قبول ودعم هذه المؤسسات. وحينها فقط سيتوقف كل من القانون والأخلاق والحكومة عن كونها قواعد وقوى قسرية يجب على الإنسان الحر الامتثال لها، وحينها فقط سيكون البشر أحرارا، وفي الوقت نفسه متصالحين بالكامل مع العالم الذي يعيشون فيه.
إن فكرة امتثال جميع المؤسسات الاجتماعية للمبادئ العامة للعقل تحمل في طياتها طابع حركة التنوير؛ فإخضاع كل شيء لضوء العقل البارد والواضح، مع رفض كل ما تأسس على الخرافة أو الامتيازات الموروثة، كان مذهب المفكرين الفرنسيين في القرن الثامن عشر؛ مثل فولتير وديدرو. إن حركة التنوير وما أعقبها من اندلاع الثورة الفرنسية هما بالتأكيد الحدثان التاليان - وتقريبا الأخيران - في حديث هيجل عن تاريخ العالم. ومع ذلك، نجد أن موقف هيجل نحوهما ليس تماما ما يمكن أن يتوقعه المرء من ملاحظاته حول جوهر حركة الإصلاح الديني .
يقبل هيجل وجهة النظر التي تقول بأن الثورة الفرنسية كانت نتيجة الانتقادات الموجهة للنظام الذي كان موجودا في فرنسا من قبل الفلاسفة الفرنسيين. ففرنسا قبل الثورة كانت لديها طبقة نبلاء لا تتمتع بقوة حقيقة، وإنما كانت تتمتع بمجموعة من الامتيازات المضطربة غير القائمة على أي أساس عقلاني. وفي مواجهة هذا الوضع غير العقلاني تماما، تجلى مفهوم الفلاسفة عن حقوق الإنسان وانتصر. ولا يدعنا هيجل نحتار فيما يتعلق بوجهة نظره بشأن أهمية هذا الحدث، فيعلن عنها قائلا:
لم يحدث منذ ظهور الشمس في السماء ودوران الكواكب حولها أن تم إدراك أن وجود الإنسان يكمن في رأسه؛ أي فكره، الذي يلهمه لبناء عالم الواقع ... لم يستطع الإنسان إلا الآن إدراك مبدأ أن الفكر يجب أن يحكم الواقع الروحي. كان هذا إذن فجرا فكريا مجيدا. وجميع البشر شاركوا في الاحتفال بهذا الحدث.
إلا أن النتيجة المباشرة لهذا «الفجر الفكري المجيد» كانت «الإرهاب الثوري»، وهو شكل من أشكال الاستبداد الذي مارس سلطاته دون أي إجراءات قانونية، وكان عقابه يتمثل في الإعدام بالمقصلة. ما الخطأ الذي حدث؟ كان الخطأ هو محاولة تطبيق مبادئ فلسفية مجردة تماما دون النظر إلى طبيعة البشر. فهذه المحاولة كانت تستند إلى سوء فهم لدور الفكر، الذي لا يمكن أن يطبق بمعزل عن المجتمع الحالي والأشخاص الذين يشكلونه.
وهكذا كانت الثورة الفرنسية في ذاتها فاشلة، إلا أن أهميتها التاريخية العالمية تكمن في المبادئ التي نقلتها للشعوب الأخرى، ولا سيما ألمانيا؛ فقد كانت الانتصارات القصيرة الأجل التي حققها نابليون كافية لوضع قانون للحقوق داخل ألمانيا لترسيخ حرية الإنسان وحرية التملك، ولفتح هيئات الدولة أمام أكثر المواطنين كفاءة للعمل فيها، ولإلغاء الالتزامات الإقطاعية. يبقى الملك هو رأس الحكومة، وقراره الشخصي هو القرار النهائي، إلا أنه في ظل القوانين الراسخة والنظام المستقر للدولة لم يتبق للقرار الشخصي للملك - كما يقول هيجل - «في الحقيقة، سوى القليل.»
يصل هيجل بحديثه عن تاريخ العالم إلى نهايته بوصوله إلى العصر الذي عاش فيه. ويختتم هيجل الكتاب بتكرار - وإن بكلمات مختلفة قليلا - الفكرة الرئيسية التي قدمها في البداية: «تاريخ العالم ليس إلا تطور فكرة الحرية»، مقترحا أن تقدم فكرة الحرية قد بلغ الآن مداه. كان المطلوب أمرين: أن يحكم الأفراد أنفسهم وفقا لضمائرهم وقناعاتهم، وأن يتم تنظيم العالم الموضوعي - العالم الواقعي بكل ما فيه من مؤسسات اجتماعية وسياسية - بصورة عقلانية. فلا يكفي أن يحكم الأفراد أنفسهم وفقا لضمائرهم وقناعاتهم؛ لأنها ستكون مجرد «حرية ذاتية»؛ فما دام العالم الموضوعي لم يتم تنظيمه بصورة عقلانية، سيتصارع الأفراد الذين يتصرفون وفقا لضمائرهم الشخصية مع القانون والأخلاق، وسيصبح القانون المطبق والأخلاق القائمة شيئين مناوئين لهم وقيدين على حريتهم. من جهة أخرى، ما إن يتم تنظيم العالم الموضوعي بصورة عقلانية، فسيختار الأفراد الذين يتبعون ضمائرهم بحرية التصرف وفقا لقانون وأخلاقيات العالم الموضوعي. وهكذا ستتحقق الحرية على كل من المستويين الذاتي والموضوعي، ولن تكون هناك قيود على الحرية؛ نظرا لوجود تناغم تام بين الاختيارات الحرة للأفراد واحتياجات المجتمع ككل، وستتحول فكرة الحرية إلى واقع؛ ومن ثم يكون تاريخ العالم قد حقق هدفه.
شكل : كان سقوط سجن الباستيل في 1789 شرارة بدء الثورة الفرنسية.
هذه خاتمة رائعة بالفعل، لكنها تترك سؤالا واضحا معلقا: ما الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه التنظيم العقلاني للأخلاق والقانون والمؤسسات الاجتماعية الأخرى؟ ما الدولة العقلانية حقا؟ لم يذكر هيجل في كتابه «فلسفة التاريخ» إلا القليل جدا عن ذلك. فوصفه الوردي لألمانيا في عصره، بالإضافة إلى حديثه عن أن تقدم فكرة الحرية قد بلغ الآن مداه، لا يمكن أن نستشف منه سوى إيمانه بأن بلاده - في عصره - قد وصلت لوضع المجتمع المنظم بعقلانية. ومع ذلك، يمتنع هيجل عن قول ذلك صراحة، ويتسم وصفه لألمانيا الحديثة بالإيجاز الشديد لدرجة لا تسمح لنا باكتشاف سبب اعتباره للتدابير الخاصة التي يصفها أنها أكثر عقلانية من الأشكال السابقة للحكم.
السبب وراء هذا الإيجاز قد يكمن ببساطة في أن كتاب «فلسفة التاريخ» تم تحريره كمجموعة من المحاضرات. والمحاضرات الجامعية - كما نعلم جميعا - كثيرا ما يفتقر فيها المحاضر إلى الوقت قرب نهايتها. لكن يمكن أيضا أن يكون هيجل قد تعمد التحدث بإيجاز عن هذا الموضوع في كتابه «فلسفة التاريخ»؛ لأنه سيكون محور كتابه «فلسفة الحق»، وهو الكتاب الذي يجب أن نقرأه للحصول على صورة أكثر شمولا لما يعتبره هيجل مجتمعا منظما بصورة عقلانية، ومن ثم حرا بحق.
Shafi da ba'a sani ba