ومع هذا كانت تلك بداية فترة عرف فيها كل منا الكثير عن الآخر؛ فقد اعتادت أن تزورني بمنزلي كي تتحدث عن مشكلات شقتها وقرارها بشأنها، واستمرت على هذا المنوال حتى بعد استقرار الأمور فيها بالنسبة إليها. كنت قد اشتريت تليفزيونا، وهو شيء لم تفعله هي؛ لأنها قالت إنها تخشى أن تدمن مشاهدته.
أما أنا، فلم أخش من شيء كهذا لأني أتواجد خارج المنزل معظم اليوم. وكان يوجد الكثير من البرامج الجيدة في تلك الأيام، وبوجه عام، كانت ميولنا متوافقة؛ فقد كنا نهوى مشاهدة قنوات التليفزيون الحكومية، وبخاصة المسلسلات الكوميدية البريطانية التي شاهدنا بعضها مرارا وتكرارا، وكانت تستهوينا كوميديا الموقف وليس مجرد إطلاق النكات. وقد كنت في البداية أشعر بالخجل وأنا أرى مدى جرأة المسلسلات البريطانية، التي قد تصل إلى حد الإسفاف، لكن أونيدا كانت تستمتع بذلك أكثر من أي شيء آخر. وكنا نتذمر عندما تبدأ إعادة أحد المسلسلات مرة أخرى، لكننا سرعان ما ننجذب لمشاهدته ومتابعته مرة أخرى؛ لقد كنا حتى نشاهد هذه المسلسلات حين كانت الألوان باهتة فيها. وفي الوقت الحاضر، قد أصادف في بعض الأحيان واحدا من هذه المسلسلات القديمة وقد تم تلوينه وأصبح كالحديث تماما، ولكني أغير القناة لأنه يجعلني أشعر بالحزن.
كنت قد تعلمت منذ وقت مبكر أن أكون طاهيا جيدا، وحيث إن بعضا من أفضل البرامج التليفزيونية كانت تعرض مباشرة بعد العشاء، فقد كنت أعد لكلينا وجبة العشاء، وكانت تأتي هي ببعض الحلوى من المخبز. واشتريت طاولتين من ذلك النوع الذي يمكن طيه، وكنا نتناول الطعام ونحن نشاهد الأخبار، وبعدها نتابع برامجنا المفضلة. كانت أمي تصر دوما على أن نتناول طعامنا على المائدة؛ لأنها كانت تعتقد أنها الطريقة الوحيدة كي يكون المرء ذا مستوى اجتماعي جيد، لكن يبدو أن أونيدا لم يكن لديها أي محظورات في هذا الشأن.
ربما تجاوزت الساعة العاشرة عندما كانت تغادر المنزل، ولم تكن تمانع في الذهاب إلى منزلها سيرا على الأقدام، لكني لم أكن أحبذ الفكرة؛ لذا كنت أحضر سيارتي كي أصطحبها إلى المنزل. لم تشتر هي مطلقا أي سيارة أخرى بعدما تخلصت من تلك السيارة التي اعتادت أن تقل فيها أباها إلى عمله. لم تكن تخشى على الإطلاق أن يراها أحد وهي تتجول في البلدة، بالرغم من أن الناس كانوا يسخرون من ذلك؛ وكان هذا قبل أن يصبح كل من المشي وممارسة التمرينات الرياضية شيئا شائعا.
لم نذهب مطلقا لأي مكان معا، وكانت تمر أوقات دون أن أراها لأنها كانت تذهب خارج البلدة، أو ربما تظل بها لكن تستضيف بشقتها بعض الأشخاص الذين لا أعرفهم ولم أسع للقائهم.
لا، فذلك كان يشعرني بالتجاهل؛ لذا لم أفعل. إن مقابلة أناس جدد كانت تمثل مشكلة لي، ولا بد أنها كانت تتفهم ذلك. أما اعتيادنا تناول الطعام معا، وقضاء الأمسيات أمام شاشة التليفزيون، فذاك كان أمرا مريحا وهينا ولم تكن لدي أية صعوبة في التعامل معه. ولا بد أن كثيرين كانوا يعلمون بهذا الأمر، لكن لأنها كانت تمضي الوقت معي أنا تحديدا، لم يعيروا الأمر الكثير من الاهتمام. وكان معروفا أيضا أنني أنا من يقوم بحساب ضريبة الدخل لها، ولم لا؟ فهو شيء أعرف كيف أفعله جيدا بينما لا يتوقع أحد منها أن تعرف كيف تقوم به.
ولا أدري إن كان أحد يعلم أنها لم تسدد لي أي شيء مطلقا مقابل ذلك. كنت سأطلب منها مبلغا بسيطا كي تسير الأمور بنحو طبيعي، لكنها لم تثر الموضوع، ليس لأنها بخيلة، بل لأن الأمر لم يرد بخاطرها.
وإذا ما حدث أن تفوهت باسمها لأي سبب من الأسباب، فكان يصدر عني في بعض الأحيان اسم إيدا بنحو عفوي. وكانت تتعمد إغاظتي قليلا إذا ما قلت ذلك أمامها، وكانت توضح لي كيف أنني أفضل دائما أن أنادي الأشخاص بألقابهم القديمة التي كانوا يعرفون بها أيام الدراسة، إن أتيحت لي الفرصة لذلك. ولكني لم ألحظ ذلك بنفسي.
قالت: «لا أحد يهتم بهذا، أنت فقط من يفعل هذا.»
كان ذلك يغضبني قليلا، بالرغم من أنني كنت أحاول جاهدا أن أخفي شعوري هذا؛ فأي حق تمتلكه هي كي تعلق على ما يشعر به الناس حيال الأشياء التي أفعلها أو التي لا أفعلها؟ قد يكون مغزى ما تقول أنني إلى حد ما أفضل الرجوع لأيام طفولتي؛ لذا كنت أرغب في البقاء في تلك المرحلة، وجعل الآخرين يبقون معي فيها.
Shafi da ba'a sani ba