Rayuwar Gabas
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Nau'ikan
وقد غير اكتشاف آبار البترول وجه العراق، وإذا اهتم أهل البلاد بإحياء موات الأرض ولم يكتفوا ب «بنات عماتهم» النخل، كان لهم موارد ثروة لا تنضب، فإن معدل أثمان صادرات الصوف من بغداد والبصرة يبلغ نحو مليونا ونصف مليون جنيه. وقد قامت أخيرا في العراق نهضة صناعية باهرة مذ تأسست فيها مصانع للثياب الوطنية من أقمشة تصنع في البلاد، وقد بدأ رأس مال تلك المصانع بمائتي ألف روبية وبلغ الآن أكثر من أربعة أو خمسة ملايين روبية، وصار أهل البلاد كلهم يلبسون من المنسوجات الوطنية.
وقد استغنوا عن العمائم والطرابيش بغطاء رأس مستطيل الشكل أسود اللون يصنع في العراق أيضا واسمه السدارة، وعلمت من سائح شرقي جليل ثقة أنهم أسسوا مصنعا لدبغ الجلود وصناعة الأحذية منها، فلا يحتاجون بعد اليوم إلى ثياب أو أحذية أو قبعات أوروبية أو طرابيش نمسوية. وعلمت منه أن ياسين باشا الهاشمي قد حتم منذ بضع سنين على الحكومة أن تتعاقد مع مصانع الثياب لابتياع كسوة الجيش والجند وعمال الدواوين وأبناء المدارس، وهذا عمل جليل ليس بعده غاية لمخلص. ولا غرابة إذا نهضت العراق هذه النهضة المباركة فقد كانت مدن العراق من أكبر المراكز الصناعية والتجارية في العالم في أيام زهو العباسيين، فبغداد أخصب بقعة في العراق، ودجلة والفرات طريقان مائيان عظيمان ينصبان إليها من الشمال الأول رأسا والثاني بما يوصل من الترع بينه وبين دجلة، ودجلة يوصلها بالبصرة اتصالا لا ينقطع ثم البصرة توصلها بخليج فارس فخليج عمان فباقي البحار الكبيرة، فأي مركز إذن يفضل مركزها؟ وفي سنة 1927 خرج من ميناء البصرة تسعمائة وخمسون باخرة محمولها 1418460 طنا من المواد الأولية والثمار معظمها لبلاد الإنجليز.
وكانت المتاجر تصدر عن بغداد إلى إنجلترا قبل الحرب العظمى بعشرين عاما، والإنجليز يرمقون العراق من عشرات السنين ويرمون إلى تكبير أهميتهم التجارية والسياسية على أيدي قناصلهم ووكلائهم في الخليج الفارسي، ومقدمهم في هذه المناصب سير برسي كوكس، الذي صار بعد عشرين عاما من الخدمة السياسية في البحرين مندوبا ساميا لعهد الملك فيصل.
وفي سنة 1910 حدثت أزمة في الوزارة العثمانية أحدثتها شركة لنش الإنجليزية في العراق، وكان المرحوم سليمان البستاني معرب الإلياذة يعيش في تلك الجهات ويخدم الدولة قبل أن يعين عضوا في مجلس الأعيان العثماني، وقد كتب ما يستفاد منه تحذير الدولة من الخطر الاستعماري البريطاني.
وسوف نتكلم عن الخليج الفارسي والبحرين بما فيه الكفاية غير أن للكويت والأحساء صفة خاصة، فقد شغلت الكويت قراء الصحف العربية في نهاية القرن التاسع عشر، لأن الإنجليز كانوا يلقون عليها حبائلهم ليجعلوا منها مستودعا لذخائرهم وموطئ قدم لدى فتوح العراق، وكانت الكويت والأحساء تابعتين لولاية البصرة، وكان مدحت باشا واليا على البصرة، ولا نزال نذكر أنه خطب ود الشيخ عيسى أمير البحرين فلم يجب نداءه بل على العكس سلم خطابه إلى حلفائه الإنجليز.
ومذ كان مدحت باشا واليا على البصرة حدث خلاف بين عبد الله بن سعود وأخيه سعود فلجأ عبد الله إلى مدحت يستنصره على أخيه، فألحق مدحت الكويت والأحساء بولاية البصرة وشكل منهما متصرفية سميت بمتصرفية نجد. أما الكويت فعلى أن يكون عبد الله بن سعود قائمقاما عليها كل أيامه تحت حماية العثمانيين، فدخلت الكويت والأحساء تحت حماية العثمانيين حوالي 1870 ولم ينازع منازع في ذلك، وتشكلت متصرفية الأحساء وكان يعين لها المتصرفون العثمانيون ومعهم من الجند ما تقتضيه الحاجة السياسية والمدنية. كان ذلك والأمير ابن السعود الذي صار فيما بعد ملك نجد والحجاز ما زال فتى وقد نشأ وترعرع في كنف الشيخ مبارك الصباح شيخ الكويت، الذي استولى عليها بعد عهد المتصرفية العثمانية. وكان يجب على مدحت أن يلفت نظر دولته إلى أهمية الكويت وجزيرة البحرين، ولسنا ندري أين كانت أعين الترك وآذانهم الطويلة طول القرن التاسع عشر وهم أصحاب العراق وجزيرة العرب، وكان ينبغي أن تكون «البحرين» تابعة للمتصرفية، ولكن الإهمال بل الغفلة من جهة وبعد الشقة من جهة أخرى (كأن إنجلترا والهند كانتا أقرب إلى الخليج الفارسي وجزيرة العرب من تركيا) والجهل بأهمية موقع الكويت وموقع الجزيرة معا؛ كل ذلك جعل المتصرفين يغضون النظر عن الكويت والجزيرة ويتركون لرؤساء القبائل فيهما أن يتصرفوا بالبلاد والعباد كما يشاءون كأنهم مستقلون في المكانين المذكورين، وقد انتهى هذا التصرف السيئ بفقد البلاد جميعا.
الكويت والمبشرون بها
أما الكويت فمدينة نظيفة ويبلغ عددها ثلاثين ألفا، وميناها واسع أمين من أحسن مرافئ شرقي جزيرة العرب بل أحسنها، وكان الألمان يؤملون أن تنتهي فيها السكة الحديدية البغدادية ولكن الدهر لم يساعدهم. غير أن هذا لم يقلل من أهميتها التجارية والحربية، فقد لعبت في الحرب دورا مهما فكانت مستودعا للذخائر والأسلحة التي استعملها الإنجليز في حروب العراق ضد الدولة العثمانية وبعد ذلك ضد أهل العراق أنفسهم قبل تنصيب فيصل ملكا عليهم. ويبلغ عدد سكان الكويت ثلاثين ألفا الآن.
والكويت في فلاة قاحلة ليس لها ما تعتمد عليه إلا التجارة، وتجارتها متسعة مع شمر ونجد والحجاز، ومنها ترسل الخيول إلى البنادر الهندية، وفي جنوبيها واحة القطيف وهي من أخصب الواحات في بلاد العرب حتى تمتد إلى قطر.
روى لنا سيد عظيم من رجال الشرق العاملين على خدمته أنه زار الكويت في غرض له فوقف من أخبار المبشرين على العجائب، فقد علم أنهم قسموا البلاد إلى مناطق نفوذ في الخليج الفارسي، فالمبشرون الكاثوليك لا يتعدون منطقتهم والمبشرون البروتستان كذلك، ولهؤلاء الأخيرين قصة فكهة تدل على صبرهم وثباتهم وحسن إيمانهم.
Shafi da ba'a sani ba