Rayuwar Gabas
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Nau'ikan
بل إنها اتفاق بين عدد معين من الدول المستقلة يربطها التاج البريطاني بعضها ببعض باعتبار كونه رمزا لوحدة أصلها، وليس للغة الإنجليزية مثل هذه الدلالة؛ إذ إن في كندا لغتين رسميتين الإنجليزية والفرنسية، كما أن في أفريقيا الجنوبية لغتين رسميتين أيضا الإنجليزية والألمانية، أما أيرلندا فمن المعروف أنها تعمل على إحياء لغتها الوطنية.
هذا ما يقرره دستور وستمنستر، وهو في الواقع يحل الروابط التي كانت إلى الآن تربط أجزاء الإمبراطورية البريطانية من غير أن ينص على تعريف دقيق لجماعة الأمم البريطانية في تكوينها الجديد .
والحق أن هذه الجماعة لا مثيل لها في التاريخ ولا يمكن تعريفها بدقة، فليس بين الدومنيون أي شيء مشترك، ولأنها جميعا تعترف بأن الجالس على عرش إنجلترا هو ملكها الخاص؛ فليس لهذا الملك سلطة مشتركة على جميع الدومينيون، بل لا يمكنه أن يباشر سلطته في دومينيون ما إلا بواسطة حكومة ذلك الدومينيون.
ولما عرض مشروع هذا الدستور على مجلس العموم انتهز بعض النواب المحافظين هذه الفرصة لطلب إعادة النظر في مسألة أيرلندا، معربين عن القلق الذي يساورهم فيما لو حدث أن الانتخابات النيابية في أيرلندا أفضت عن أغلبية جمهورية، واتقاء لهذا الخطر اقترحوا إضافة المادة الآتية على المشروع:
وليس في نص هذا الدستور ما يسمح للسلطة التشريعية في أيرلندا بأن تلغي أو تنقح أو تغير أية مادة من مواد اتفاق سنة 1922 الخاص بالدولة الأيرلندية.
بيد أن الوزارة الحاضرة رفضت هذا الاقتراح.
فالقارئ يرى من هذا البيان الوجيز أهمية قانون وستمنستر من الوجهة التاريخية والسياسية، فهو قد قضى على الإمبراطورية القديمة وعلى الروابط التي كانت تربط أجزاءها بعضها ببعض، ولم يبق منها إلا الرابطة المعنوية ورابطة المنفعة المشتركة، وهاتان الرابطتان على أهميتهما لا تظهران دائما بوضوح تام نظرا لتشعب المصالح ومناقضة بعضها للآخر كما حدث مرات في السنين الأخيرة، ومن أجل ذلك يبذل رجال السياسة من الإنجليز جهودا عظيمة لإنشاء روابط جديدة بين جماعة الأمم البريطانية، من ضمنها المؤتمر المنوي عقده في كندا قريبا بقصد تنظيم شئون تلك الأمم من الوجهة الاقتصادية.
فلا عجب ولا غرابة إذا أطلق على هذا القانون اسم يدل على زوال عهد الارتباط بين أجزاء الإمبراطورية البريطانية، وإنما هذا التحلل أو التفكك حصل على الطريقة الإنجليزية، أي في حدود القانون وبتشريع أصدره البرلمان «بيدي، لا بيد عمرو!» فهو نتيجة التطور لا الثورة.
ولا عجب ولا غرابة إذا طلبت أمم الشرق العربية الإسلامية وغير الإسلامية لنفسها ما طلبته أستراليا وكندا وأيرلندا وجنوب أفريقيا من «الأم الرءوم»
The Mother country ، فلسنا أقرب إلى إنجلترا من تلك البلاد . ولئن اتفقت إنجلترا مع الشرق وتضامنت معه في السراء والضراء كما يريد غاندي في الهند وغير غاندي في مصر والعراق وفلسطين وعدن وبعض بلاد الجزيرة العربية، وتبعتها كذلك فرنسا في شمال أفريقيا والهند الصينية، وهولندا في إندونيسيا، وإيطاليا في طرابلس والصومال، وبلجيكا في الكونجو، واليابان في كوريا، لو حصل هذا وتضافرت أمم الغرب والشرق على مواجهة الحياة ومكافحة الحروب والأزمات والشرور الظاهرة والخفية، فلعل الحلم الذي تمثل للعالم في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يتحقق ويصير جزءا من تاريخ العالم، وفترة من أسعد فترات الحياة الإنسانية.
Shafi da ba'a sani ba