أثارت البقرة النافقة في مخيلتي كل أفكار الانتهاك والتدنيس؛ فأردت أن أخزها وأسحقها بقدمي وأتبول عليها، والقيام بأي شيء كي أعاقبها، كي أعبر عن مدى الاحتقار الذي أشعر به لكونها ميتة، كأن أوسعها ضربا أو أحطمها أو أبصق عليها أو أمزقها أو ألقيها بعيدا! ولكنها كانت لا تزال تتمتع ببعض القوة، فهي ترقد وعلى ظهرها خريطة لامعة غريبة، وعنقها مشدود، وعيناها ملساء. لم أكن قد نظرت من قبل إلى بقرة حية، وكنت دائما أفكر فيما خطر ببالي الآن: لم توجد أبقار؟ لم تتخذ النقاط البيضاء الشكل الذي هي عليه الآن، ولا تتكرر قط - لا في أي بقرة أخرى أو أي مخلوق آخر - بالشكل نفسه؟ عدت مرة أخرى إلى تتبع حدود القارة على جلد البقرة وأنا أدفع العصا بقوة في محاولة لرسم خط محدد، وانتبهت لشكل الخط كما كنت أنتبه أحيانا لشكل القارات أو الجزر على الخرائط الحقيقية، كما لو كان الشكل نفسه يكشف سرا أكبر من الكلمات، وكما لو كنت سأفهمه إذا حاولت بجهد أكبر، وكان لدي الوقت لذلك.
قلت باحتقار لماري آجنس: «أتحداك أن تلمسيها، أن تلمسي بقرة ميتة.»
فتقدمت ماري آجنس ببطء، ولدهشتي انحنت وهي تتمتم وتنظر إلى العين كما لو كانت تعلم أنني كنت أتفكر فيها، ووضعت يدها عليها، نعم وضعت راحة يدها على العين. وفعلت ذلك بجدية وبتردد، وبرباطة جأش رقيقة ليست من شيمها. وفور أن فعلت ذلك، وقفت ووضعت يدها أمام وجهي وراحتها في اتجاهي، وأصابعها مبسوطة حتى بدت يدا ضخمة داكنة أكبر من وجهها بالكامل، وضحكت في وجهي.
قالت: «إنك خائفة الآن من أن أمسك بك.» وقد كنت خائفة بالفعل، ولكنني ابتعدت عنها بأقصى قدر من الغطرسة استطعت استجماعه.
وهكذا، بدا لي أنه غالبا لا أحد سواي يعلم ما يحدث بالفعل، أو يعلم حقيقة الأشخاص. فعلى سبيل المثال؛ كان الناس يقولون: «يا لماري آجنس المسكينة!» أو يلمحون لذلك عن طريق انخفاض في نبرة الصوت أو لهجة حماية خافتة، كما لو كانت لا تملك أسرارا أو مكانا خاصا بها، ولكن هذا لم يكن حقيقيا. ••• «لقد وافت المنية عمك كريج مساء أمس.»
قالتها أمي بصوت يغلب عليه الخجل وهي تبلغني بذلك.
كنت أتناول إفطاري السري المفضل - الذي يتكون من القمح المغموس في دبس السكر الأسود - وأجلس على الرصيف الإسمنتي خارج منزلنا في شمس الصباح. كان قد مر يومان على عودتي من جنكينز بيند، وعندما ذكرت العم كريج تذكرته في آخر صورة رأيته عليها وهو يقف في مدخل البيت، مرتديا صدريته وقميصه وهو يلوح لي مودعا بلطف، وربما بنفاد صبر.
أصابني ذلك النظام المعقد بالحيرة. «مات!» بدا الموت كما لو كان شيئا إراديا، شيئا اختار أن يفعله بكامل إرادته، كما لو أنه قال: «سوف أموت الآن.» وفي تلك الحالة فلا يمكن أن يكون أمرا نهائيا، ولكنني كنت أعلم أنه كذلك. «في قاعة أورانج في مدينة بلو ريفر، كان يلعب الورق.»
بدأ عقلي يرسم صورة لما حدث: طاولة لعب الورق في قاعة أورانج المضيئة (رغم أنني كنت أعلم أن اسمها الحقيقي «قاعة أورانجمين»، وأن الاسم لا علاقة له باللون بالضبط مثلما كان اسم المدينة بلو ريفر لا علاقة له بنهر أزرق)، كان العم كريج يقسم الأوراق بطريقته الجادة وجفونه المتثاقلة، وكان يرتدي صدريته ذات الظهر المصنوع من الساتان وأقلامه الحبر والرصاص مثبتة في جيبه. ثم؟ «أصيب بأزمة قلبية.»
أزمة قلبية، تبدو كما لو أنها انفجار، كما لو كانت ألعابا نارية تنطلق مطلقة قضبانا من الضوء في كل الاتجاهات، ومفجرة كرة صغيرة من الضوء - كان هذا هو قلب العم كريج أو روحه - تحلق في الهواء، حيث تعثرت وانطفأت. هل قفز من مقعده، ولوح بذراعيه في الهواء وصرخ؟ كم استغرق الأمر؟ هل أغلقت عيناه؟ هل كان يعلم ماذا يحدث؟ بدت إيجابية أمي المعتادة معتمة، وكانت شهيتي للحصول على التفاصيل تثير استياءها. أخذت أتتبعها في أرجاء المنزل وأنا عابسة ومصرة وأكرر أسئلتي. أردت أن أعرف، فلا يوجد مصدر للحماية ما لم يكن في المعرفة. أردت أن يقوم أحدهم بتثبيت الموت وعزله خلف حائط من الحقائق والظروف؛ كي لا يظل طليقا متنقلا، متجاهلا ولكنه قوي، منتظرا أن يحل في أي مكان.
Shafi da ba'a sani ba