لم يكن ثمة شيء يمكن أن نقوله ليقربنا من بعض، كانت الكلمات أعداءنا؛ فهي لن تفعل إلا أن تشوش على ما نعرفه بعضنا عن بعض. كان ما بيننا هو المعرفة التي يطلق عليها: «الجنس فقط» أو «الانجذاب الجسدي». اندهشت عندما فكرت بهذا الأمر - ولا أزال حتى الآن مندهشة - من الاستخفاف الذي كنت أتعامل به مع هذا الأمر، كما لو كان أمرا عاديا يتواجد بسهولة في أي مكان كل يوم.
اصطحبني لمقابلة عائلته، كان ذلك في عصر يوم أحد، وكانت بداية الامتحانات يوم الإثنين، فقلت له إن علي أن أستذكر فقال: «لا يمكنك أن تفعلي هذا، لقد ذبحت أمي دجاجتين بالفعل.»
ولكن كان ذلك الجزء مني الذي يريد أن يذاكر قد ضاع، اختبأ في مكان بعيد، فلم أستطع أن أفهم شيئا في كتبي أو حتى أضع كلمتين إلى جوار بعضهما وجارنيت في الحجرة، كل ما كان بوسعي فعله هو قراءة الكلمات على لوحة الإعلانات أثناء سيرنا بالسيارة. كان هذا على النقيض تماما مما يحدث لي وأنا مع جيري، حيث كنت أرى العالم كثيفا معقدا لكنه واضح بشكل مفزع، أما العالم الذي رأيته مع جارنيت كان لا يختلف كثيرا عن العالم الذي أعتقد أن الحيوانات تراه، عالم بلا أسماء.
كنت قد سرت في طريق وادي جيريكو من قبل مع أمي بالسيارة. في بعض المناطق منه يتسع بصعوبة لحجم الشاحنة، وكانت الزهور البرية تحتك بكابينة السيارة. قطعنا أميالا بالشاحنة عبر الشجيرات الكثيفة. كان ثمة حقل مليء بجذوع الأشجار المقطوعة . تذكرت هذا، تذكرت أمي وهي تقول: «في وقت من الأوقات كان الريف بأكمله بهذا الشكل، لكنهم هنا لم يتقدموا إلى ما بعد المرحلة الأولية. ربما كانوا من الكسل حتى إنهم لم يفعلوا هذا، أو أن الأرض لا تستحق العناء، أو كلا الأمرين معا.»
وكانت هناك أطلال لمنزل وحظيرة محترقين.
قال جارنيت: «هل أعجبك منزلنا؟»
كان منزله الحقيقي في منطقة منخفضة تحيط بها أشجار ضخمة عن قرب شديد حتى إن المرء لا يستطيع أن يرى البيت كاملا، وإنما يرى السقف الخشبي البني وقمته الباهتة مثلثة الشكل والشرفة، التي كانت مطلية باللون الأصفر منذ زمن بعيد؛ حتى إنه يبدو الآن مجرد خطوط صفراء على الخشب المليء بالشظايا. ولما دخلنا بالشاحنة إلى فناء المنزل ودرنا بالشاحنة، أخذ الدجاج يرفرف وهو يركض محدثا جلبة كبيرة، وجاء كلبان ضخمان ينبحان ويتقافزان نحو نوافذ الشاحنة المفتوحة.
كان ثمة فتاتان في التاسعة والعاشرة تقريبا تتقافزان فوق مجموعة من الفرش الزنبركية التي تركت في الساحة وقتا طويلا بما يكفي لأن تحيل العشب من حولها إلى اللون الأبيض. توقفتا عن القفز وأخذتا تحدقان في، لكن جارنيت مشى بي متجاوزا إياهما ولم يقدمني لهما، في الواقع إنه لم يقدمني لأي أحد. كان أفراد عائلته يأتون - ولم أكن أعرف أيهم أفراد أسرته وأيهم أعمامه أو عماته أو أبناء عمومته - ويتكلمون معه وينظرون إلي بطرف أعينهم. كنت أحيانا أعرف أسماءهم من كلامهم بعضهم مع بعض، لكنهم لم ينادوني باسمي أبدا.
كانت هناك فتاة أظن أنني رأيتها في المدرسة الثانوية، كانت حافية القدمين ومتزينة بشكل جميل تتمايل حول أحد أعمدة الشرفة. فقال جارنيت: «انظري إلى ثيلما، إن ثيلما عندما تضع أحمر الشفاه تستهلك أنبوبا كاملا، وأي رجل يحاول أن يقبلها يلتصق بها ولا يستطيع أن ينتزع نفسه.» ملأت ثيلما وجنتيها المزينتين بالبودرة بالهواء، ثم نفخته في فظاظة.
ثم أتت امرأة قصيرة القامة بدينة الجسد تبدو غاضبة ترتدي حذاء رياضيا دون أربطة، وكان كاحلاها متورمين حتى إن رجليها بدتا مستديرتين تماما كأنابيب تصريف المياه . كانت هي أول من خاطبني مباشرة، فقالت لي: «أنت ابنة السيدة التي تبيع الموسوعات. إنني أعرف أمك. ألا تجدين مكانا تجلسين فيه؟» ثم دفعت بيدها صبيا صغيرا وقطا بعيدا عن كرسي هزاز ووقفت جواره حتى جلست أنا، وجلست هي على أعلى درجة من السلم، وبدأت تصيح ملقية التعليمات وكذلك عبارات التوبيخ على الجميع. «احبسوا تلك الدجاجات في الخلف! أحضروا لي بعض الخس والبصل الأخضر والفجل من الحديقة! ليلا! فيليس! توقفا عن القفز! أليس هناك ما تفعلان خيرا من هذا؟! بويد انزل من الشاحنة! أخرجوه من تلك الشاحنة! أتعلمين؟! ذات يوم حرك عصا السرعة فتحركت الشاحنة عبر الفناء وكادت ترتطم بالشرفة، لولا أن تجاوزتها ببوصات قليلة.»
Shafi da ba'a sani ba