فقد كنا نتعلم دروسنا المهمة باللغة الإنجليزية، ومنها دروس الجغرافيا والمعلومات العامة «أو الأشياء».
وكانت صحف المدارس المقروءة في إنجلترا بين «المطالعات» الإضافية المقررة علينا في السنة الرابعة الابتدائية.
وإلى هنا نتساوى جميعا في مدارس القطر كله، ثم يأتي دور النشأة الأسوانية بمزية تنفرد بها مدينة أسوان، ولا تشاركها فيها سائر المدن في الوجهين.
كانت المكتبات الإفرنجية تفتح في موسم الشتاء؛ لبيع الكتب والمجلات والصحف الأجنبية المحلية، وكان كبار الزوار لا ينقطعون عن زيارة المدرسة خلال الموسم الذي كان يمتد من ديسمبر إلى مارس، وتتبع زيارتهم أحيانا دعوات خاصة نجلس فيها مع أبنائهم وبناتهم، ولا نتكلم أثناءها بغير اللغة الأجنبية.
وتضاف إلى ذلك حالتان طارئتان على أسوان - في ذلك الحين - لم تجتمعا لبلد من بلدان السياحة، وهما حملة السودان وبناء الخزان ...
ففي أثناء حملة السودان، كان الحاكم العسكري، ومحافظ المدينة، وقاضي المحكمة، وقادة الفرق الموزعون على المصالح، طائفة من الإنجليز العسكريين أو المدنيين لا يعرفون العربية، وكان كل بيت فيه «ولد من أولاد المدارس» مرجعا نافعا لقراءة الأوراق الرسمية، أو ترجمة العرائض إلى «الحكام» على حسب الاجتهاد، وكان «نصف الفرنك» نفحة سخية يحصل عليها «الولد» المترجم الذي يستطيع أن يخط في الورق بضعة سطور تدل على معنى من المعاني مفهوم بالإشارة أو بالتخمين ... فأما «الولد» الذي تتكرر الشهادة له بحسن الترجمة، فنصف الفرنك قد يصعد في معاملته إلى نصف ريال، ويزداد التقدير مع زيادة القرابة أو الجوار ...
أما بناء الخزان فقد جلب إلى المدينة مئات من المهندسين والخبراء والمفتشين يقرءون الصحف الإفرنجية طوال العام، ويدفعنا حب الاستطلاع إلى النظر في هذه الصحف وفي صحف السائحين، فلا يفوتنا - مع تتابع النظر - أن نعرف أقسام الصحيفة وعناوينها، وأماكن البرقيات والأخبار منها، وأن نختطف عبارة هنا وتعليقا هناك، فلا يخفى علينا معناها بالمقابلة بعد المقابلة، أو التصحيح بعد التصحيح.
مع مصطفى كامل
فلما علمت أن «اللواء» يطلب مترجمين يعرفون الإنجليزية خطر لي أن أستقيل من وظيفتي، وأن أرشح نفسي للعمل فيه.
ولكني ترددت، وطال التردد حتى أحجمت، ثم فضلت ترك هذه «الفرصة» وانتظار فرصة غيرها لسببين: «أولهما» أنني إذا أقدمت على هجر الوظيفة الحكومية مفضلا عليها الصحافة، فليكن ذلك لأكتب لا لأترجم، فإنني ما أحببت الصحافة لأنها مورد رزق أفضل من موارد الوظائف الحكومية؛ ولكنني أحببتها لأنها مجال للكتابة أو صناعة القلم بغير وساطة من صناعة النقل أو الترجمة!
Shafi da ba'a sani ba