وما البرغوث وما الحصاة وما الإنسان إلى جانب الكون؟! بل ما الإنسانية كلها إلى جانب الكون؟ هذا الكون الفسيح يحاول خيالنا العاجز تصوير حدوده بالزمان والمكان وبالأزل والأبد، وبأمثال هذه الألفاظ التي لا سبيل لنا غيرها إلى أن نرسم لأنفسنا صورة من الكون ناقصة غاية النقص، يتفق نقصها مع ما أوتينا من العلم، وما أوتينا من العلم إلا قليلا. وهذا القليل قد هدانا إلى أن سنة الله في الكون سنة نظام وعدل لا تبديل لها ولا تحويل. وإنما نهتدي إلى هذه السنة وقد جعل الله لنا السمع والأبصار والأفئدة لنشهد بديع صنعه ونقف في الكون على سنته، فنسبح بحمده ونعمل الخير بأمره. وعمل الخير عن إيمان هو أرقى مظهر لعبادة الله لقوم يعقلون.
فأما الموت فخاتمة حياة وبدء حياة؛ لذلك لا يجزع منه إلا الذين ينكرون الحياة الآخرة ويخشونها لسوء صنيعهم في الحياة الدنيا. أولئك لا يتمنون الموت بما كسبت أيديهم؛ وإنما يتمنى الموت صدقا المؤمنون حقا والذين عملوا في الدنيا صالحا.
يقول تعالى:
الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور .
40
ويقول جل شأنه مخاطبا نبيه:
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون .
41
ويقول:
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين * قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين .
Shafi da ba'a sani ba