ولئن كانت فكرة افتداء المسيح بدمه خطايا إخوته من بني آدم جميلة لا ريب، ويستحق ما كتب فيها دراسة من نواحيه الشعرية والخلقية والنفسية، لقد كان المبدأ الذي قرره الإسلام من أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن كل امرئ يوم القيامة مجزي بأعماله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، يجعل التقريب المنطقي بين العقيدتين غير ممكن، ويجعل منطق الإسلام من الدقة بحيث لا تجدي معه محاولات التوفيق، مع التناقض الواضح بين فكرة الافتداء وفكرة الجزاء الذاتي.
لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا .
13
الروم والمسلمون
هل فكر أحد من نصارى يومئذ في هذا الدين الجديد وفي إمكان التوفيق بين فكرة التوحيد فيه وبين ما جاء به عيسى؟ نعم، وآمن به منهم كثيرون. ولكن الروم الذين اغتبط المسلمون بنصرهم واعتبروه نصرا للأديان الكتابية؛ لم يكلف سادتهم أنفسهم مئونة البحث في الدين الجديد ، ولم يلبثوا أن نظروا إلى الأمر من ناحيته السياسية، وفكروا فيما يصيب ملكهم إذا تم للدين الجديد الغلب. ولذلك بدءوا يأتمرون به وبأهله، حتى أرسلوا جيشا عرمرما عدته مائة ألف في رواية، ومائتا ألف في رواية أخرى، مما أدى إلى غزوة تبوك. وقد انسحب فيها الروم أمام المسلمين الذين خرجوا ومحمد على رأسهم لدفع عدوان لم يكن له ما يسوغه.
من يومئذ وقف المسلمون والنصارى موقف خصومة سياسية حالف النصر فيها المسلمين قرونا متتالية امتدت إمبراطوريتهم في أثنائها إلى الأندلس غربا وإلى الهند والصين شرقا. وآمنت أكثر أجزاء هذه الإمبراطورية بالدين الجديد واستقرت فيها لغته العربية. فلما آن لدورة التاريخ أن تدور، طرد النصارى المسلمين من الأندلس، وحاربوهم الحروب الصليبية، وأخذوا يطعنون في دينهم ونبيهم طعنا كله فحش وكذب وافتراء؛ ونسوا في فحشهم ما بلغ محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديثه، وما بلغ القرآن في الوحي الذي نزل عليه، من رفع مقام عيسى عليه السلام إلى المستوى الذي رفعه الله إليه.
كتاب المسيحية ومحمد
جاء في موسوعة لاروس الفرنسية خلال العرض لآراء كتاب المسيحية إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر ممن نالوا من محمد شر نيل ما يأتي: «بقي محمد مع ذلك ساحرا ممعنا في فساد الخلق، لص نياق، كردينالا لم ينجح في الوصول إلى كرسي البابوية، فاخترع دينا جديدا لينتقم من زملائه. واستولى القصص الخيالي والخليع على سيرته. وسيرة باهوميه (محمد) تكاد تقيم أدبا من هذا النوع. وقصة محمد التي نشرها رينا وفرانسيسك ميشيل سنة 1831 تصور لنا الفكرة التي كانت لدى أهل العصور الوسطى عنه. وفي القرن السابع عشر نظر بيل في تاريخ أدب القرآن نظرة تاريخية. مع ذلك ظلت مقررات ظالمة ثابتة في نفسه عنه. على أنه يعترف مع ذلك بأن النظام الخلقي والاجتماعي الذي أقامه لا يختلف عن النظام المسيحي لولا القصاص وتعدد الزوجات.»
وإن واحدا من المستشرقين الذين عرضوا لحياة محمد بشيء من الإنصاف - ذلك هو الكاتب الفرنسي إميل درمنجم - ليذكر بعض هذا الذي كتب إخوانه في الدين فيقول:
14 «لما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية اتسعت هوة الخلاف وسوء الفهم بطبيعة الحال وازدادت حدة. ويجب أن يعترف الإنسان بأن الغربيين كانوا السابقين إلى أشد الخلاف. فمن البزنطيين من أوقروا الإسلام احتقارا من غير أن يكلفوا أنفسهم - فيما خلا جان داماسيين - مئونة دراسته. ولم يحارب الكتاب والنظامون مسلمي الأندلس إلا بأسخف المثالب. فقد زعموا أن محمدا لص نياق، وزعموه متهالكا على اللهو، وزعموه ساحرا، رئيس عصابة من قطاع الطرق، بل زعموه قسا رومانيا مغيظا محنقا أن لم ينتخب لكرسي البابوية ... وحسبه بعضهم إلها زائفا يقرب له عباده الضحايا البشرية. وإن جبير دنوجن نفسه - وهو رجل جد - ليذكر أن محمدا مات في نوبة سكر بين؛ وأن جسده وجد ملقى على كوم من الروث وقد أكلت منه الخنازير، وذلك ليفسر السبب الذي من أجله حرم لحم ذلك الحيوان. وذهبت الأغنيات إلى حد أن جعلت محمدا صنما من ذهب وجعلت المساجد الإسلامية برابي ملأى بالتماثيل والصور! وقد تحدث واضع أغنية أنطاكية حديث من رأى صنم «ماحوم» مصنوعا من ذهب ومن فضة خالصين وقد جلس فوق فيل على مقعد من الفسيفساء. أما أغنية رولان التي تصور فرسان شارلمان يحطمون الأوثان الإسلامية فتزعم أن مسلمي الأندلس يعبدون ثالوثا مكونا من ترفاجان وماهوم وأبلون. وتحسب «قصة محمد» أن الإسلام يبيح للمرأة تعدد الأزواج!
Shafi da ba'a sani ba