226

أي سمو بالنفس كهذا السمو، وأي كمال لها كهذا الكمال، وأي طهر للذيل كهذا الطهر؟! وإن كل آية من هذه الآيات لتقف قارئها أمامها، مقدسا لما جمعت بين القوة والروعة وسحر البيان وسمو المعنى والإعجاز في التصوير. وليت المقام هنا يتسع لهذه الوقفات! ولكن كيف يتسع والحديث عما تنطوي عليه هذه الآيات الست عشرة جديرة بأن يستوعب مؤلفا ضخما؟!

ولو شئنا أن نجيء بطرف مما في القرآن في أدب النفس، وتهذيب الأخلاق، لانفسح المجال إلى ما لا تنفسح له خاتمة الكتاب. وحسبنا أن نذكر أنه ما حض كتاب على الخير والفضل ما حض القرآن، وما سما كتاب بالنفس الإنسانية ما سما بها القرآن، وما تحدث كتاب عن البر والرحمة، وعن الإخاء والمودة، وعن التعاون والوفاق، وعن الصدقة والإحسان، وعن الوفاء وأداء الأمانة، وعن سلامة القلب وصدق الطوية، وعن العدل والمغفرة، وعن الصبر والثبات، وعن التواضع والإذعان، وعن الخير والمعروف، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالقوة والإقناع والإعجاز في الأداء، ما تحدث القرآن. وما نهى كتاب عن الضعف والجبن، وعن الأثرة والحسد، وعن البغض والظلم، وعن الكذب والنميمة، وعن التبذير والبخل، وعن البهتان واللمز، وعن الاعتداء والإفساد، وعن الغدر والخيانة، وعن كل رذيلة ومنكر، ما نهى القرآن، وبالقوة والإقناع والإعجاز التي نزل بها الوحي على النبي العربي.

وما من سورة تتلوها إلا وجدت فيها من الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوجه إلى الكمال، ما تسمو به نفسك غاية السمو. واسمع إلى قوله تعالى في التسامح:

ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون .

24

ويقول تعالى:

ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم .

25

لكن هذا التسامح الذي يدعو القرآن إليه لا يدفع إليه ضعف، وإنما يدفع إليه الخلق وحرص على استباق الخيرات وترفع عن الدنايا. يقول تعالى:

وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .

Shafi da ba'a sani ba