فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!
أبو بكر :
يا عمر الزم غرزك،
9
فإني أشهد أنه رسول الله!
عمر :
وأنا أشهد أنه رسول الله!
وانقلب عمر بعد ذلك إلى محمد وتحدث وإياه بمثل هذا الحديث وهو مغيظ محنق. لكن ذلك لم يغير من صبر النبي ولا من عزمه؛ وكل الذي قاله في ختام الحديث لعمر: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني.» ثم كان بعد ذلك من صبر محمد حين كتابة العهد ما زاد في حفيظة بعض المسلمين؛ فقد دعا علي بن أبي طالب وقال له: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم.» فقال سهيل: «أمسك، لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم.» قال رسول الله: «اكتب باسمك اللهم.» ثم قال: «اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو.» فقال سهيل: «أمسك، لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.» قال رسول الله: «اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ...» ثم كتبت العهدة بين الطرفين وفيها أنهما تهادنا عشر سنين، في رأي أكثر كتاب السيرة، وسنتين في قول الواقدي، وأن من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا من رجال محمد لم يردوه عليه، وأنه من أحب من العرب محالفة محمد فلا جناح عليه، ومن أحب محالفة قريش فلا جناح عليه، وأن يرجع محمد وأصحابه عن مكة عامهم هذا على أن يعودوا إليها في العام الذي يليه فيدخلوها ويقيموا بها ثلاثة أيام ومعهم من السلاح السيوف في قربها ولا سلاح غيرها.
وما كاد هذا العهد يوقع حتى حالفت خزاعة محمدا وحالفت بنو بكر قريشا. وما كاد هذا العهد يوقع حتى أقبل أبو جندل بن سهيل بن عمرو على المسلمين يريد أن ينضم إليهم ويسير معهم. فلما رأى سهيل ابنه ضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وجعل يجره ليرده إلى قريش، وأبو جندل يصيح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أؤرد إلى المشركين يفتنونني عن ديني؟! وزاد ذلك في قلق المسلمين وعدم رضاهم عن العهد الذي عقد الرسول مع سهيل. لكن محمدا وجه إلى أبي جندل قوله: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين مخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم.» وعاد أبو جندل إلى قريش نفاذا لعهد النبي ووعده، وقام سهيل راجعا إلى مكة. وأقام محمد مضطربا مما رأى من شأن من حوله، ثم صلى واطمأن ثم قام إلى هديه فنحره، ثم جلس فحلق رأسه إيذانا بالعمرة. وقد امتلأت نفسه بالسكينة والرضا. فلما رأى الناس صنيعه ورأوا سكينته تواثبوا ينحرون ويحلقون، وإن منهم من حلق ومنهم من قصر. قال محمد: يرحم الله المحلقين. فتنادى الناس في قلق: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: يرحم الله المحلقين. فتنادى الناس في قلق: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين. قال بعضهم: فلم ظاهرت يا رسول الله الترحم للمحلقين دون المقصرين؟ فكان جوابه: لأنهم لم يشكوا.
لم يبق للمسلمين إلا أن يرجعوا إلى المدينة في انتظار أن يعودوا إلى مكة العام المقبل. وقد كان أكثرهم يحتمل هذه الفكرة على مضض، ولا يهونها على نفسه إلا أنها أمر رسول الله؛ فهم ليس لهم عادة بهزيمة ولا تسليم من غير قتال، وهم في إيمانهم بنصر الله رسوله ودينه لم تخالجهم ريبة في اقتحام مكة لو أن محمدا أمر باقتحامها. وأقاموا بالحديبية أياما، منهم من يتساءلون في حكمة هذا العهد الذي عقد النبي، ومنهم من تحدثه نفسه بالشك في حكمته، ثم تحملوا وقفلوا راجعين. وإنهم لفي طريقهم بين مكة والمدينة إذ نزل الوحي على النبي بسورة الفتح. فتلا النبي على أصحابه قوله تعالى:
Shafi da ba'a sani ba